1 ربيع أولI, 1446

قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه : اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك

أرشَدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه إلى اغتنامِ الفُرَصِ في الحياةِ؛ للعمَلِ للآخِرةِ بِـمَلْءِ الأوقاتِ بالطاعاتِ؛ لأنَّها هي عُمرُ الإنسانِ في الدُّنيا، وذَخيرتُه في الآخرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “اغْتَنِمْ” مِن الاغْتِنامِ؛ وهو أخْذُ الغَنيمةِ والعَطِيَّةِ، “خَمسًا”، أي: خمسةَ أحوالٍ يكونُ عليها الإنسانُ، والمرادُ: التنبيهُ والتعريفُ على مَواطنِ الاستفادةِ في حياةِ الإنسانِ، “قبْلَ خَمْسٍ”، أي: قبْلَ خَمْسٍ مِن العوارضِ الـمُتوقَّعةِ في المستقبَلِ: “شَبابَك قبْلَ هَرَمِك”، أي: اغْتنِمْ زمانَ قُوَّتِك في الشَّبابِ على العِبادةِ، وغيرِها مِن أعمالِ الخيرِ قبْلَ كِبَرِك وضَعْفِك عن الطاعةِ، “وصِحَّتَك قبْلَ سَقَمِك”، يعني: اغْتَنِمِ الأعمالَ الصالحةَ في الصِّحَّةِ قبْلَ أنْ يَحُولَ بيْنك وبيْنها السَّقَمُ والـمرَضُ، واشْتَغِلْ في الصِّحَّةِ بالطاعةِ بحيثُ لو حصَلَ تَقصيرٌ في المرضِ انْـجبَرَ بذلك؛ فيَستفِيدُ الإنسانُ مِن صِحَّتِه ما قد يُضْعِفُه المرضُ عنه يومًا مَا، “وغِنَاك قبْلَ فَقْرِك”، أي: اغْتَنِمْ قُدْرتَك على العِباداتِ الماليَّةِ والخيراتِ والـمَبَرَّاتِ الأُخرويَّةِ في مُطْلقِ الأحوالِ، مِثْلُ التَّصدُّقِ بفَضْلِ مَالِك ونَـحْوِه، قبْلَ فَقْدِك المالَ في حياتِك، أو قبْلَ الـمَماتِ، وفَقْدِك المالَ الذي تُعطِي منه في وُجوهِ الخيرِ، فتَصِيرُ فَقيرًا في الدارَينِ، “وفَراغَك قبْلَ شُغْلِكَ”، أي: على الإنسانِ أنْ يَستغِلَّ أوقاتَ فَراغِه ويَعمَلَ فيها بالخيرِ قبْلَ أنْ تَشْغَلَه الشواغِلُ؛ كالزَّواجِ، والأولادِ، وطَلَبِ الرِّزقِ، ونَحْوِ ذلك، “وحَياتَك قبْلَ مَوتِك”، أي: اغْتَنِمِ الأعمالَ الصالحةَ في الحياةِ قبْلَ أنْ يَحُولَ بيْنك وبيْنها الموتُ، وهذه الخمْسةُ لا يُعْرَفُ قَدْرُها إلَّا بعدَ زَوالِـها ..