8 جمادي أولI, 1446
اسم المؤلف:
الدكتور / سعود بن عبد الله الروقي
الحمد لله رب العالمين، ونستعينه ونستغفره، ونعوذبالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد :
فإن مجال الرياضة يتسع للكبير والصغير، وتختلف دوافع أهله، وتتفاوت طموحاتهم، وتتنوع طاقاتهم، فمنهم المحسن، ومنهم المسيء. والرياضة في ذاتها سواء كانت بدنية أو ذهنية، منها النافع المفيد، ومنها الضار الفاسد. وقد خطر لي أن
يكون عنوان هذا البحث ” الرياضة من منظور إسلامي ” .
وتكاد تكون ممارسة الرياضة من الأنشطة الإنسانية التي بدأها الإنسان منذ فجر قديم، بعضها كان يتعلق بتقوية البنية الجسدية، وبعضها تعلق بالتدريب اليومي فيما يصب في فنون القتال والحرب بصورته القديمة، وبعضها كان من باب ا
لتسلية، غير أن تحول الرياضات إلى مؤسسات ضخمة، ورصد الدول لها مليارات الأموال، وإنشاء أندية خاصة بها، وإتحاد ومسابقات محلية ودولية، وإنشاء قنوات تحتكر إذاعة المباريات، فتحولت الرياضة من ممارسة إلى طريق للتكسب
والتربح، ليس الفردي ، بل الدولي، وأضحت بعض الدول تخرج من ميزانيتها ما تسعى للمشاركة الدولية، على حساب تقديم الخدمات العامة التي لا يمكن أن يستغني عنها أي إنسان .
بالإضافة إلى هذا برزت إشكاليات أخرى، كالرياضات العنيفة، التي قد تؤدي إلى وفاة بعض الناس كالملاكمة والمصارعة في بعض أشكالهما، بل وأدخل الحيوان فيها ليصارعه الإنسان فيما يعرف بمصارعة الثيران، وكذلك الرياضات مع
باقي الحيوانات كالأسود والثعابين واستعراض القوى، مما قد يؤدي إلى قتل الإنسان نفسه من خلال تلك الرياضة.
وتأتي الرياضة البدنية لتحتل ساحة ضخمة ومهمة في برامج الوقاية الصحية، باعتبارها علامة من علامات الصحة، ووسيلة فعَّالة ناجحة للترقي بالإنسان في مراتب التفوق البدني، حتى إنها -في كثير من الأحيان- لتسبق بالإنسان نحو ا
لسلامة الصحية أسرع مما يسبق به كثير من الغذاء والدواء، فقد أصبحت ممارسة أنواع من الرياضات البدنية جزءاً أصيلاً في علاج بعض الأمراض المتعلقة بزيادة الوزن، والإصابات الجسمية، والجلطات الدموية ونحوها من الأمراض، إ
ضافة إلى كونها وسيلة فعَّالة في تأهيل بعض المرضى في فترة النقاهة لاستئناف حياتهم العملية من جديد؛ ولهذا ازدهرت في هذا الوقت المراكز الرياضية، والأندية التأهيلية، حيث يجد فيها المحتاجون للحركة البدنية مرادهم من : الأجهزة
والوسائل والتدريب والإشراف ما يُعينهم على تجاوز أزماتهم الصحية، في وقت قلَّت فيه حركة الإنسان اليومية؛ حين نابت عنه الآلات الصناعية في كثير من أعماله البدنية .
وعلى الرغم من فوائد الرياضة البدنية للجميع، ولا سيما لبعض فئات المجتمع من المحتاجين لها فقد توجهت الرياضة الحديثة بمفاهيمها الجديدة إلى ما هو أبعد من مجرد الصحة البدنية بكثير، حين توسع مفهوم الرياضة ليشمل أنواعاً لا تكاد
تحصى من الألعاب والأنشطة الإنسانية المختلفة، ويستقطب في برامجه كل فئات المجتمع، فالرياضة الحديثة قد تجاوزت بمفاهيمها المعاصرة مبدأ الممارسة العملية، باعتباره هدفاً رئيساً، وغاية ضرورية من غايات الرياضة إلى أن تصل
بمفهوم الرياضة إلى المعنى التجاري الاستثماري، فتصبح الرياضة سلعة استهلاكية يتَّجر بها المستثمرون المتربِّصون بحاجات الناس ومتطلباتهم، فراجت تجارة اللاعبين، والمقامرة المالية، والدعاية الإعلامية، والشهرة العالمية، والثقافة ا
لرياضية، ومتعة التفرج، وأقيمت المنشأت للمنافسات الدولية، ونحوها من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي لا علاقة لها أصلاً بمبدأ الرياضة البدنية.
إن أنواع الرياضة العالمي، بكل ما تحويه من التفاعل الحركي، والتنافس الدولي، والاستهلاك الثقافي، والمتعة الشخصية، والممارسة الواقعية: لا تزيد – في المفهوم الإسلامي – عن كونها مصلحة كمالية في غالب الأحوال، لا يجوز أن
تتعارض مع مصلحة حاجية، فضلاً عن أن تتعارض مع مصلحة ضرورية وإلا أصبحت محرمة شرعاً ، وواقع الممارسات الرياضية، وما يلحق بها من أنشطة وألعاب ومنافسات ومخاطرات، وما يتخلل ذلك من مفاسد أخلاقية كالتبرج في النساء، والاختلاط بين الجنسين، من غير المحارم، والمقامرة المالية، وما يتبع ذلك من تضييع للواجبات، ووقوع في المحرمات، كل ذلك ينقل هذه الممارسات الرياضية من الإباحة إلى الكراهية وإلى التحريم، بل إلى ما هو أشد من ذلك من ا
لكبائر والموبقات القبيحة، التي حذر الشارع الحكيم منها وتوعَّد أصحابها بالعقوبة الشديدة.
ومن هذا المنطلق قمت بإعداد هذا البحث لوضع الضوابط الشرعية اللازمة لأحكام ممارسة الرياضة البدنية.
الخاتمة وفي نهاية هذا البحث العلمي أود أن ألخص أبرز النقاط المهمة التي توصلت إليه.
– حث الإسلام على ممارسة الرياضة النافعة للجسد وجعلها من الأعمال الفاضلة.
– عرف المسلمون بعض الرياضات، كالعدو، وسباق الخيل، والرماية، واللعب بالسلاح، والمصارعة، ورفع الأثقال، والوثب العالي، والكرة والسباحة.
– احتراف الألعاب يتوقف حكمه على مدى الحاجة إليه والمصلحة التي تعود للمجتمع منه.
– لا يجوز ممارسة الرياضة التي فيها نوع من المخاطرة والضرر كالملاكمة وغيرها.
– لا تجوز الألعاب التي تظهر فيها أجسام النساء -أي ما لا يحل رؤيته منها- أمام الرجال الأجانب، كما في حالات السباحة والجمباز ونحوها، وينبغي أن يكون لهن مسابح وملاعب خاصة، لا يدخلها الرجال.
– لا تجوز الألعاب التي تعرض الحيوانات أو الطيور للإيذاء.
– لا تجوز الألعاب التي يدخل فيها الميسر (القمار) فإنه قرين الخمر في كتاب الله، وهو رجس من عمل الشيطان.
– لا يجوز كشف العورة في اللعب أو عند تغيير الملابس، بل الواجب ستر العورة على كل حال.
– لا يرضى الإسلام بممارسة الرياضة إلى حد نسيان الواجبات الدينية والوطنية.
– ينبغي ممارسة الرياضة في غير إيذاء للغير، أو اللعب في أماكن حاجات الناس، أو في أوقات يحتاج الناس فيها إلى الراحة.
– لا يرضى الإسلام بالتحزُّب الممقوت، الذي فرَّق بين الأحبّة، وباعد بين الإِخوة، وجعل في الأمّة أحزابًا وشيَعًا، والإسلام يدعو إلى الاتّحاد، ويَمقُتُ النِّزاع والخلاف.
– لا يجوز إخراج الألفاظ النابية من فريق لآخر، وتكره التصرفات التي تقلل من كرامة الإنسان سواء أكانت في التشجيع أم في اللعب.
– من الأدب أن يمارس كل جنس ما يوافقه من ألعاب رياضية، وألا يقوم الرجال برياضة النساء ولا العكس.
– الأصل أن يحافظ الناس على الصلاة ولا يتركونها لأجل الرياضة، وفي حالات المبارايات الدولية، يؤخذ بأخف الآراء في الوقت الصلاة مما يجعل الناس يحافظون على الصلاة ويخرجون لتشجيع فريقهم القومي، كتقديم وقت صلاة الجمعة
عن وقت صلاة الظهر كما هو مذهب الحنابلة.
– ألعاب القوى منها ما هو مباح، وهو ما فيه نفع أو لم يشتمل على ضرر، ومنها ما هو محرم، وهو ما اشتمل على إيذاء أو ضرر.
– ألعاب كمال الأجسام مندوب إليها إن قدم منها تقوية الجسد.
– مسابقة الهجن “الإبل” مشروعة في أصلها، غير أن صورتها الحديثة فيها ما يدعو للنهي عنها من قيام أطفال صغار بها وما قد ينجم عن إيذائهم، والواجب البحث عن طرق أخرى لا يكون فيها إيذاء لأحد في هذه الرياضة.
– تجوز ممارسة الكاراتيه، على أن تؤخذ التدابير الوقائية التي تمنع الإضرار بأحد الطرفين. ويشترط في النساء أن تكون في مكان خاص بهن.
– يجوز للنساء ممارسة الرياضة المباحة مع الالتزام بالشروط الواجبة كستر العورة وعدم الضرر والإيذاء وغير ذلك.
– لا بأس بممارسة رياضة “العدو” من المرأة مع محارمها في الحدائق العامة مع التزام الحجاب الشرعي.
تحميل البحث: 9-2.zip