4 جمادي أول, 1446
الجمعة 20 نوفمبر 2020
خلق الله الإنسان وأودع فيه عديدا من الخصائص التي تتفاوت في قوتها وضعفها من شخص لآخر، فهناك الشجاع والجبان والكريم والبخيل والحليم والأحمق إلى غير ذلك مما هو فطري جبلي، ولكنه يكون قابلا للتحسن مع التعلم والحرص على تطوير الذات والقدرات. ومن الخصائص التي قد يرى البعض أنها نعمة على حين يراها آخرون أنها نقمة، ظاهرة النسيان التي هي الأخرى تتفاوت من شخص لآخر وتظهر عادة واضحة للعيان مع تقدم العمر. النسيان كمصطلح ذكر في القرآن الكريم في 45 آية أوضح الله سبحانه من خلالها كثيرا من الأمور المتعلقة بمصطلح النسيان، من حيث الأسباب التي توقع الإنسان فيه والآثار المترتبة عليه والطرق المفيدة لعلاجه، علما أنه سبحانه هو الوحيد المنزه عن النسيان “وما كان ربك نسيا”. وقد قال لنبيه “واذكر ربك إذا نسيت”. إذا النسيان أمر طبيعي جبل عليه الإنسان هو وظاهرة الخطأ ولذا ورد في الحديث “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان…” (الحديث)، ولكن درجة النسيان وقوته مرتبطة بعوامل عدة منها ما هو وراثي ومنها ما هو مكتسب يرتبط بالتعب والإرهاق الذهني أو ناتج عن بعض الأمراض النفسية كالاكتئاب، كما قد يكون مرتبطا ببعض الأمراض الجسدية المؤثرة في الذاكرة. يعد النسيان في حدوده الطبيعية نعمة فهو راحة ذهنية وتخفيف من الضغوطات الفكرية وراحة مما يصيب الإنسان من الهم والحزن، إذ لو استمر يتذكر أحزانه خاصة المؤلمة كفقد عزيز أو خسارة كبيرة لما طاب له عيش ولما انقضت له حسرة ولما تمكن من التمتع بالدنيا، فكأن النسيان هنا أداة تصفية وتنقية لما قد يواجهه الإنسان في حياته. يقول الحكماء إن الذاكرة أحسن خادم للعقل وإن النسيان أحسن خادم للقلب. أما من يرى أن النسيان نقمة فلا شك أنه كذلك إذا أصبح ظاهرة مرضية متكررة إذ يقود إلى ضياع كثير من المعطيات في حياة الإنسان بما في ذلك ما له وما عليه من حقوق وواجبات. إذا النسيان وظيفة مهمة في حياتنا اليومية وهو مرتبط بالوظائف الحيوية لأجهزتنا العصبية ولكنه يتأثر بالظروف المحيطة. وما أجمل قول الشاعر:
قالوا دواء الهجر هجر مثله
جاز الذين نسوك بالنسيان
فكرت ثم سألتهم متعجبا
أو كان تهجر ماءها العينان