12 ربيع أولI, 1446

*📍ترجمة الشيخ الزاهد محمد العليِّط* رحمه الله.

 

هو محمد بن سليمان بن عبد الكريم بن حمد العليِّط.

 

وُلد في منطقة القصيم (بريدة ) سنة 1351هـ، توفي أبوه وهو في صباه، فاعتنت به أمه، رحمهما الله.

 

طلب العلمَ وجدَّ واجتهد في تحصيله، وتتلمذ على يد عدد من أهل العلم، مِن أشهرهم:

– العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن حُمَيد قاضي منطقة القصيم الأسبق الذي خلفَ الشيخ عمر بن سليم رحمهما الله.

– الشيخ محمد بن صالح المطوع رحمه الله.

– الشيخ صالح بن عبد الرحمن السكيتي رحمه الله.

– كما حضر عدداً من دروس العلامة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله.

 

انتظم في المعهد العلمي في بريدة وقت افتتاحه سنة 1372هـ، وحصل على شهادته العلمية، ثم تقدم بعد ذلك للدراسة في كلية الشريعة في الرياض، لكنه صرف نظره عنها مؤثراً الجلوس للتأليف وتعليم الطلبة.

 

جلس الشيخ للتعليم مبكراً، فبدأ بتدريس صغار الطلبة في مسجد ناصر جنوب جامع بريدة الكبير، ثم خلَفَ شيخه العلامة عبد الله بن حميد في التدريس في الجامع الكبير بعد انتقال الشيخ إلى مكة لرئاسة شئون الحرمين، ثم انتقل بعد عمارة الجامع الجديدة إلى مسجد الشيخ صالح المطوع شرقَ سوق الخضار، واستمر فيه قرابة ٥٠ سنة، .

للشيخ عدة دروس في مسجد المطوع، فهو يجلس للدرس كل يومٍ عدا الجمعة، ودروسه بعد الفجر، وبعد الشروق، وبعد صلاة الظهر، وبعد صلاة العشاء، مع بقائه بعد صلاة العصر في المسجد لرُقيةِ المرضى.

 

وطريقته في الدرس أن الطالب يختار كتاباً مناسباً لمستواه واهتمامه فيقرأ منه بين يدي الشيخ كل درسٍ صفحةً أو صفحتين، ثم يعلق الشيخ بكلمات معدودات.

ويقرأ بين يديه الطلبة كتباً متنوعة، خاصة كتب السلف في التوحيد والعقائد، وكتب التفسير والفقه واللغة العربية، وكتب الحديث كالصحيحين والسنن والمسانيد، والمتون العلميةَ وشروحها، وكتب الزهد والوعظ.

 

عُرف الشيخ بالزهد والورع، فقد اطّرح الدنيا والاشتغالَ بها مشتغلاً بالتعليم والعبادة، مُجانباً كثرةَ المخالطة والخوض في أمور الناس وما فيه يخوضون، ملازماً مسجدَه ودروسه، لا يتركها إلا لحجٍ أو عمرة، وهو يوصي دائماً بالاشتغال بالعلم والقراءة والانصراف عن الدنيا ومُغرياتها ولزومِ أهل العلم والصلاح، خاصة مع انتشار الفساد وانفتاح الدنيا على الناس وتنافسِهم عليها.

 

أخذ العلم عن الشيخ عدد كبير من طلبة العلم، منهم علماء ومحدثون من داخل البلاد وخارجها.

 

اهتم الشيخ بالتأليف، وراعى في موضوعات مؤلفاته ما يحتاجه عامة الناس، فكتبَ في الوعظ والآداب وبعض الأحكام الفقهية، وعلوم القرآن، والسنن، من مؤلفاته:

– التيسير في علم أصول التفسير.

– نصيحة المسلمين فيما جاء في الغش من العقوبة والتحريم، مطابع المنار 1408هـ.

– توضيح المنهج إلى أحكام الحج، مطابع الشروق، 1415هـ

– مقتطفات من كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لابن تيمية.

– الفوائد البهية مِن كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، دار الشريف، 1425هـ.

– النصائح المفيدة في تحريم الغيبة والنميمة، ط4 الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، 1426هـ.

– التحذير من المسكر والنرد والورَق، 1405، ط2: مطابع الحميضي، 1427.

– التِّبرُ المسبوك مِن فرائد الفوائد في علم السلوك، 1432هـ.

– رسالة إلى المفتونين بالربا، 1433هـ.

توفي يوم الإثنين الموافق ١٤٤٦/٣/١٣

بعد معاناة مع المرض. .

 

إنا لله وإنا إليه راجعون

اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منه..

 

اللهم اغفر لعبدك محمد، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين..

اللهم اجعل عمره وأعماله ومجالسه شاهدة له، وذخرا له يوم يلقاك، واجعل ما أصابه تكفيرا لسيئاته ورفعة في درجاته.   تابع عن الشيخ آخر حديث قرأته على الشيخ محمد العليّط رحمه الله وكان ذلك مغرب السبت ١١ شوال ١٤٤٥ في مسجد الحميدي من كتاب (الجمع بين الصحيحين للإشبيلي رحمه الله)
ولا أزال أذكر شرحه بيده لمعنى (وعَقَد ثلاثة وخمسين).
لستُ من الملازمين للشيخ، ولكن حضرتُ عنده قليلاً مع الأسف، وكان الشيخ على ما ظهر لي يرتاح لكتاب الجمع بين الصحيحين ويعيش أجواء الأحاديث، فأحياناً يبكي ومرة يضحك وأخرى يتعجب، كان حاضر الذهن مركزاً جداً في القراءة يتأثر بمواقف الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ويبكي.
ولا تكاد تأتي كلمة غريبة في النصوص إلا ويفسرها لي بأوضح بيان، وأحياناً يشرح ويوضح على الأرض بيده كأنه يكتب، وإذا سألته أتى بالعجائب والدرر، فهو واسع العلم لكنه لا يُظهر ذلك.
وكان أحياناً يأتي باللطائف، فمثلاً عندما مرّ بنا قول المؤلف (تفرد به البخاري) يقول الشيخ العليط: البخاري البخاري يكررها ويقول: رأيته هالايام في المنام وكان طويلاً وجسمه كبير ثم يدعو للبخاري ويتأثر.
وعندما يقول المؤلف (عن عائشة رضي الله عنها) يعلّق شيخنا العليط ويقول: رأيت عائشة رضي الله عنها في المنام ثلاث مرات أحدها واقفة هي والنبي صلى الله عليه وسلم.
فسألت الشيخ العليط: كم مرة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام؟ فقال: رأيته أربع مرات مرّة هو وعائشة رضي الله عنها واقفين بمكة. ومرّة جالساً عندنا بالدرس.
ومن اللطائف: عندما مرّ بنا حديث الإسراء وفيه مراجعة موسى لمحمد صلى الله عليهما وسلم في فرض الصلوات: (ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف..)
قال الشيخ العليط وهو يبتسم: قُرئ هذا الحديث على الشيخ ابن سليم الأول وكان فيه امرأة كبيرة بالسن تستمع للدرس، فبدأت تصفق بيديها وتقول: يكفي يا موسى يكفي يا موسى. يرويها الشيخ العليط وهو يضحك.
وعندما مرّ بنا حديث عائشة رضي الله عنها: (وأتعرق العَرْق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ) قال الشيخ العليط: العرْق: العظم المأكول منه، وهذا من حبه صلى الله عليه وسلم لعائشة، والحين لو الواحد يعطي غيره العظم قال: وع.
ومرّة نقل الشيخ فائدة سمعها من الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، فقلت: هل قرأت على الشيخ ابن ابراهيم؟ قال: ما قرأت لكن حضرت الدروس.
وسألت الشيخ العليط عن تلميذه الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله ماذا كان يحفظ؟ فقال: الدويش كلشن قرأ علي وهو آية من آيات الله قرأ علي البخاري حفظاً وغيره من الكتب الكبيرة وكان يطالع وهو يتعشى معه كتاب، وله دروس بمساجد كثيرة إلى الليل لكن الشيخ أصابته عين.. ثم ذكر موقفاً في زيارته له بالمستشفى قبل وفاته.
وسألت الشيخ العليط عن الكتب التي قرأها على الشيخ عبدالله بن محمد ابن حميد رحمه الله؟ فقال: قرأت عليه الروض المربع وزاد المعاد وغيرها، وكنت عن يمين الشيخ ابن حميد وأول من يقرأ على الشيخ.
كتبه: عبدالله بن علي الدبيان.
الاثنين ١٣ / ٣ / ١٤٤٦ .