1 ربيع أولI, 1446

حكم أخذ العوض على تفسير الرؤيا :
——-

تعبير الرؤيا من العلوم التي دلت النصوص على مشروعيتها، قال تعالى عن يوسف عليه السلام 🙁 رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الآحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ).
ولا يجب تفسير الرؤيا حتى لمن عنده علم بها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما فسر أبو بكر، ، ( أصبت شيئاً، وأخطأت شيئاً) فقال يارسول الله : أقسمت عليك إلا أخبرتني ما أصبت وما أخطأت ، فقال 🙁 يا أبا بكر لا تقسم ) ولم يبين له الخطأ، ولو كان التعبير واجباً لبينه له مع علمه به .
وكونه يسمى فتيا : ( ( افتوني في رؤياي إن كنتم لرؤيا تعبرون ).( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ). نظير قوله تعالى : ( قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعت امراً حتى تشهدون ).
لا يعني أنه كبيان العلم الشرعي ، لأن القاعدة في ذلك : الاشتراك في الإسم لا يعني الاشتراك في الحكم .

وبناء على ذلك : يجوز أخذ العوض على تعبير الرؤيا بشروط :
١ – أن يكون المعبر عنده علم بتعبير الرؤى ، سواء كان ذلك عن طريق الإلهام أو معرفة الرموز وربطها بما رأى الرائي ، أو بكلا الطريقتين.
ويعرف كونه ذو علم بالتعبير عن طريق كثرة الإصابة في التعبير ، فمن كثر صوابه في تفسيره، دل ذلك على معرفته لتعبير الرؤى ، وفي الآية السابقة : ( رب قدآتيتني من الملك وعلمتني من تأويا الآحاديث ).

٢ – أن يكون لهذا التعبير والتفسير جهد يؤخذ عليه العوض عادة، وأما تفسير لا جهد فيه ولا ضرر عليه في بذله، فلا يجوز أخذ العوض عليه .
وقد سبق تقرير قاعدة بأدلتها ، وهي: كل ما فيه نفع لأخيك ، ولا ضرر عليك فيه ، فلا يجوز اخذ العوض عليه .لحديث أبي هريرة مرفوعاً:( لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره ).
ولما كان في تفسيرها سهالة لا ضرر عليه فيها ، ولا بذل جهد معتبر شرعاً، ولا ضرر، كان مما تتابع الناس سلفاً على بذلها بلا عوض .

وأما من كان مشهوراًبالإصاية، وتتابع الناس عليه وأشغلوهزفي تعبير الرؤى بحيث يحتاج ألى تخصيص زمان أو مكان أو آلات أتصال بوسائل معينة، فأرجو أن لا بأس بذلك بالشروط الأخرى .

٣ – أن لا يكن العوض فاحش عرفاً.
لأن هذا من بذل المال في تحصيل حاصل، وهو كون مقتضى تلك الرؤيا غير مخالف للقضاء والقدر، فبذل المال الكثير في شيء لا يخالف القضاء والقدر من السفه ، والسفه لم يحدد في الشرع فيرجع في تحديده إلى العرف .

٤ – أن نعلم أن هذا التفسير ليس عن طريق الجن الذي يخبرون عن الماضي بالكذب ، وعن المستقبل بالخرص أو الاستعانة بالكهان والسحرة ، فمن علم أن ذلك عن طريق الكهان والعرافين ، دخل في حديث ( من أتى كاهماً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ).

٥ – أن لا يكذب فيما لم يظهر له فيه تفسير ، فلا يفسر بعوض تفسيراً لم يظهر له فيها شيئاً من اجل أن يأخذ العوض، فيكون أخذ عوضاً على كذب .

* فإن قيل : إن المنفعة غير منضبطة ولا محددة، فيكون العوض عليه حراماً، لأنه من الغرر .
* فالجواب : نجعل ذلك من قبيل الجعالة ، ولا يشترط فيها تحقق حصول المنفعة كما في قصة الصحابة : لا نرقيكم حتى تجعلوا لنا جعلاً.
* وحمل العقد على وجه يصح، أولى من حمله على وجه لا يصح.
* والقاعدة : إعمال الكلام أولى من إهماله .

@ فإن قيل : إن هذا التفسير مظنون الوقوع، فكيف يصح أخذ العوض عليه .
والجواب : أن هذا له نظائر في الشرعية : كالرقية قد يحصل بها الشفاء وقد لا يحصل .
ولأن هذا أخذ أجرة على علم لا يجب بيانه ، فلصاحبه أن لا يبين إلا بعوض، كالاستشاراتدالدنيوية وبيان تجاربه فيها .
ولأن هذا لا يجوز إلى لمن غلب على الظن صوابه في مظره واجتهاده .

@ فإن قيل : كما يحرم أخذ الأجرة على الفتيا الشرعية – كما هو مذهب الجمهور – ( من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار ).
فكذا لا يجوز أخذ العوض على التعبير بجامع أم كلاً منهما يسما فتيا، وبجامع أن كلاً منهما من العلوم الشرعية .

والجواب: أن الاشتراك في الإسم لا يعني الاشتراك في الحكم . – كما سبق -.
ولأن تعبير الرؤيا ليس بواجب بخلاف العلوم الشرعية الأخرى ، كما بينه حديث أبي بكر رضي الله عنه السابق.
والله تعالى أعلم .

كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .