8 جمادي أولI, 1446
فى الرسالة التى كتبها ابن مرئ (ت 728هـ) لتلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه ضمنها الوصية بكتب شيخ الإسلام ، ونشرها ثم قال رحمه الله ووالله – إن شاء الله – ليقيمن الله سبحانه لنصر هذا الكلام ونشره وتدوينه وتفهمه واستخراج مقاصده واستحسان غرائبه وعجائبه رجالاً هم الآن فى اصلاب آبائهم.
قال الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-: ولقد برت يمين ابن مرى بحمد الله ومنته, فقام الشيخ عبدالرحمن بن قاسم المتوفى سنة (1392هـ) بمساعدة إبنه محمد المتوفى سنة (1421هـ) بعد ستة قرون بهذه المهمة الجليلة فى مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه .
– لقد مكث الشيخ عبدالرحمن بن قاسم خلال أربعين عاماً في جمعه وترتيبه وطبعه, فقد عانيا كثرة السفر والبحث عن المخطوطات, وترك الأبناء, ومفارقة الأوطان مع قلة الزاد, ثم في قراءة وفك خط شيخ الإسلام حيث كان -قدس الله روحه- سريع الكتابة, وكان خطه فى غاية التعليق والإغلاق وبعضه بدون نقط ، ولا تكاد تظهر حروفه ، وقد اشكلت على تلميذه ابن الوردي فيدعو تلميذه أبا عبدالله بن رشيق المقربي لحله ، وكانت إغلاق خطة مدعاة إلى إهمال كتبه ، وكان عند الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن قاسم مجموعة من المخطوطات بخط شيخ الإسلام – رحمه الله – منها قاعدة فى الاستحسان ولم يستطع ادخالها فى مجموعة الفتاوى لاستغلاق خطها ، وبعد حين حلها شيئاً فشيئاً حتى طبعها ضمن المستدرك على مجموع الفتاوى.
– ولقد بدء رحمه الله عام (1340هـ) بالجمع وذلك أثناء تفتيشه عن فتاوى علماء نجد فوجد عند الشيخ محمد بن عبداللطيف -رحمه الله- نحو ثلاث مجلدات ، وأخذ يفتش فى المخطوطات الموجودة عند المشائخ ، وطلاب العلم فى نجد ، وكانت نجد ولا زالت أسعد الأقاليم بالإنتفاع بمؤلفات شيخ الاسلام وتداولها وتدريسها ، كما حصل على بعض المسائل من مكتبة الحرم المكي. بعد ذلك أشار عليه الشيخ محمد بن إبراهيم أن ينظم الموجود من المخطوطات إلى المطبوعات, ويرتب الجميع على حسب الفنون وعلى ترتيب أبواب الكتب المتداولة بين العلماء والطلاب لتسهل المراجعة.
وفى سنة (1372هـ) سافر الشيخ عبدالرحمن بن قاسم إلى بيروت للعلاج ، وهناك توجه إلى مكتبة بيروت العمومية وفتش فى مكتبة الجامعة الأمريكية ، وكان الشيخ يستصحب ما جمعه سابقاً من الفتاوى, وفهرساً خاصاً بها.
– وكان الشيخ عبدالرحمن بن قاسم يستصحب معه ورقه تحمل أرقاماً لثلاث مسائل فى المكتبة الظاهرية ذكرها له بعض من زار المكتبة, فأمر ابنه محمد بالسفر إلى دمشق لنسخها ، وبالفعل قام بنسخها وقام بالبحث والتصفح ، ومكث ستة أشهر ثم انتقل إلى مكتبة الأوقاف بحلب ، وبعد التأكد من الحصول على ما فى الشام -وطن شيخ الاسلام ومؤلفاته- سافر إلى العراق وحصل على الرسالة التدمرية بخط نعمان الآلوسي, ثم تمت الرحلة إلى القاهرة, وزار دار الكتب المصرية, وحصل على مجلد متوسط لم يكن موجوداً من “الكواكب الدراري” ثم سافر إلى باريس ثانية, وزار مكتبة باريس الوطنية, وتتبع ما فيها من الفهارس المطبوعة بالعربية للمخطوطات الموجودة فى باريس ، ولندن وبرلين وفينَّا ، وبعض فهارس مخطوطات تركيا ، وتضمنت 13 مسألة, فصوَّرَ فى تلك الرحلة مما لم يعثر عليه فى الأقطار العربية.
-لما جمع الشيخ عبدالرحمن بن قاسم بعض الفتاوى أخبر الأمير مساعد بن عبدالرحمن الملك فيصل فاستعد لطبعها, فما كان من الملك سعود إلاَّ أن أرسل يطلب الشيخ عبدالرحمن بن قاسم فى قصره بالناصرية, فقال: عندكم ابني محمد ، وهناك قابل محمد بن قاسم وزير الملك سعود يوسف ياسين وتم الإتفاق على التمويل والطبع فى مطابع الرياض ، وتم الاتفاق مع المطبعة على أن يتم توقيع العقد بعد إحضار وتوفير ( حروف ) جديدة للفتاوى حيث كانت طريقة المطابع فى ذلك الوقت طريقة صف الحروف ، وتعهد محمد بن قاسم احضار حروف جديدة من ألمانيا ، وتمت طباعة ثلاثين مجلداً بالرياض, ثم تم إتمام المجلدات الخمسة فى مكه ، وكان ابن قاسم لا يأخذ على ذلك مقابل, بل كان يدرس فى المعهد فى الصباح, وفى المساء يعمل في الفتاوى، ولم يتم تفريغه, وما كان يأتيه أموال للصف والنسخ والتصوير والمقابلة ، وما شابهما حتى أنَّ الشيخ محمد بن إبراهيم يعطيه المبالغ التى تقصر عن حجم العمل.
– ولقد ذكر الشيخ يوسف المطلق أنه عمل ومعه بعض طلبة العلم فى نسخ الفتاوى وكانت كتابة الصفحة بمبلغ معلوم وعمل معهم الشيخ عبدالله بن جبرين والشيخ غيهب الغيهب ، والشيخ حماد الأنصارى ، وغيرهم فى النسخ والمقابلة والتصحيح .
– ولما أصيب الشيخ عبدالرحمن بن قاسم بألم فى رأسه تضرر منه بسبب البحث والسهر والتعب والجمع والترتيب والتبويب, احتبس عن مواصلة العمل, وأشير عليه أن يعالج فى باريس فرنسا فذهب إلى هناك وصحبه ابنه محمد وذلك فى آخر عام (1375هـ) فعولج هناك ونجحت العملية ، ورجع سالماً, وعثر هناك على بعض المخطوطات القديمة لشيخ الاسلام ابن تيميه فصورها كلها وضمها إلى تلك الموسوعة الكبيرة .
– وفى عام (1380هـ) أمر جلالة الملك المعظم بطبع الفتاوى وابتعاثه إلى بغداد لشراء المجلد الرابع من “الدرر المضيئة” واستنساخ المسائل الموجودة فى مكتبة الأوقاف ، وكذلك إلى دمشق للإتفاق مع نسَّاخين مختصين ليقوموا بنسخ المصورات من خطة, وتصوير جميع المخطوطات القديمة بالمكتبة الظاهرية; لمقابلة المطبوعات, وكان عدد الأفلام التى صورت فيها المخطوطات عشرة أفلام, ثم تم التصحيح وعمل لها فهارس ، ولقد استغرق جمع الفتاوى أكثر من أربعين سنة من عام (1340هـ) حتى (1386هـ) حيث طبعت كامله, وصدر الأمر الملكى بتفويض رئاسة البحوث والأفتاء حق طباعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه ومنع التعرض لهذا الكتاب بطبع أو اختصار أو إضافة وغير ذلك, وعدم دخول أى نسخة من هذه الأنواع وتسويقها داخل المملكة ، ومن يتصرف فيها بدون أذن مسبق من رئاسة إدارة البحوث العلمية والافتاء يطبق بحقه ما تقتضى به التعليمات ، ويعد هذا القرار من مآثر حكومة المملكة العربية السعودية فى محيط العلم وحماية هذا المجموع المبارك من امتداد الأيدي العابثة إليه