4 جمادي أول, 1446

فضائل مكة — الحسن البَصْري (ت ١١٠)
فَضائِل مَكَّة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
أخبرنا الشَّيْخ الفَقِيه الحافِظ أبُو الفضل جَعْفَر بن الحسن ابْن جَعْفَر الهَمدانِي قالَ أخبرنا الشَّيْخ الامام أبُو طاهِر أحْمد بن مُحَمَّد السلَفِي الاصفهاني قِراءَة عَلَيْهِ فِي جُمادى الأولى سنة احدى وسبعين وخمسماية قالَ أخبرنا القاضِي أبُو اسحق ابراهيم بن مُحَمَّد بن الحُسَيْن الغضائري بـ(دربند) قِراءَة عَلَيْهِ مني فِي شَوّال سنة ثَلاثِينَ وخمسماية قالَ كتب إلَيّ أبُو مَنصُور مُحَمَّد بن أحْمد بن القاسِم الاصفهاني المُقْرِئ من ثغر (آمد) أن أبا الحسن عَليّ بن الحاضِر بن عَليّ البَغْدادِيّ بالفسطاط قالَ أخبرنا أبُو الحسن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الشّافِعِي بِمَكَّة قالَ أخبرنا أبُو الحسن عَليّ بن عبد الله الهَمدانِي قالَ أخبرنا أبُو الحسن مُحَمَّد ابْن نافِع قالَ أخبرنا أبُو الحسن مُحَمَّد بن ابراهيم بن مَعْرُوف الصيدلاني قالَ حَدثنا عبد الله بن أحْمد بن صالح التَّمِيمِي قالَ حَدثنا أبي قالَ حَدثنا عبد الله بن عبد الحميد أو المجِيد الحَنَفِيّ قالَ حَدثنا عُبَيْدَة أو هُبَيْرَة الباجِيّ الحدادح
وقالَ ابْن نافِع أخبرنا أبُو القاسِم عبيد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد قالَ أخبرنا مُحَمَّد المظفر بن احْمَد المظفر الأشموني الشمار قالَ حَدثنا مُحَمَّد بن ابراهيم النَّيْسابُورِي قالَ حَدثنا مُحَمَّد بن عَليّ الحَنَفِيّ عَن أبي هُبَيْرَة الباجِيّ قالَ كتب الحسن بن أبي الحسن البَصْرِيّ رمحة الله عَلَيْهِ الى رجل من الزهاد يُقال لَهُ عبد الرَّحِيم أو عبد الرَّحْمَن بن أنس الرَّمادِي كانَ يسكن مَكَّة شرفها الله تَعالى وكانَ لَهُ فضل ودين وذكر ولم يكن لَهُ فِي الدُّنْيا عمل الا عبادَة الله تَعالى وانه أرادَ الخُرُوج من مَكَّة الى اليمن فَبلغ ذَلِك الحسن وكانَ بواخيه فِي الله تَعالى فَكتب الهي كتابا يرغبه فِي المقام بِمَكَّة زادها الله شرفا أوله
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حفظك الله يا أخي بِما حفظ بِهِ أهل الايمان ووقاك المَكْرُوه ووفقك لِلْخَيْراتِ وأتم عَلَيْك النعم فِي كل الأُمُور وجمعنا وإيّاك فِي دار السَّلام
فِي جوار الرَّحْمَن فان ذَلِك بِيَدِهِ ولا حول ولا قُوَّة الا بِاللَّه العلي العَظِيم
أما بعد يا أخي فانِي قد كتبت اليك وأنا ومن قبلي من أهل العِنايَة والأقارب والاخوان على أفضل ما تحب وربنا المَحْمُود وصلى الله على سيدنا مُحَمَّد وعَلى آله وصَحبه وسلم
اعْلَم يا أخي أبقاك الله تَعالى انه بَلغنِي انك قد أجمعت رَأْيك على الخُرُوج من حرم الله تَعالى وأمنه والتحول مِنهُ الى اليمن وأنِّي والله كرهت ذَلِك وغمني واسْتَوْحَشْت من ذَلِك وحْشَة شَدِيدَة إذْ أرادَ الشَّيْطان أن يزعجك من حرم الله تَعالى ويستزلك
فيا عجبا من عقلك اذ نَوَيْت ذَلِك فِي نَفسك بعد أن جعلك الله من أهله ولَو أنَّك حمدت الله تَعالى على ما أولاك وأبلاك فِي حرمه وأمنه وصيرك من أهله لَكانَ الواجِب عَلَيْك شكره أبدا ما دمت حَيا ولكنت مَشْغُولًا بِعبادة الله ﷿ أضْعاف ما كنت عَلَيْهِ إذْ جعلك من
عَنهُ. ومن حج عَن والِديهِ كتب لَهُ حجتان، حجَّة لَهُ وحجَّة لوالِديهِ، ومن حج عَن ميت حجَّة من غير أن يُوصي بها، كتبت لَهُ حجَّة وكتبت للَّذي حج عَنهُ سَبْعُونَ حجَّة.
وإنّهُ إذا كانَ عَشِيَّة عَرَفَة هَبَط اللَّهِ ﷾ إلى سَماء الدُّنْيا فَينْظر إلى عباده فيباهي بهم المَلائِكَة. يَقُول ﷻ -: يا ملائكتي أما ترَوْنَ إلى عبادي قد أقبلُوا من كل فج عميق، شعثا غبرا، يرجون رَحْمَتي، أشهدكم يا ملائكتي أنِّي وهبت مسيئهم لمحسنهم، وشفعت بَعضهم فِي بعض، وغفرت لَهُم أجْمَعِينَ، أفيضوا عبادي كلكُمْ مغفورا لكم ما مضى من ذنوبكم، صغيرها وكبيرها، قديمها وحديثها.
وحجَّة مَقْبُولَة خير من الدُّنْيا، وما فِيها، ويُقال للَّذي لا

رَسُول اللَّهِ وما حَسَنات الحرم؟ قالَ: كل حَسَنَة بِمِائَة ألف حَسَنَة.
ورُوِيَ عَن النَّبِي – ﷺ – أنه قالَ: يحْشر اللَّهِ تَعالى من مَقْبرَة مَكَّة سبعين ألف شَهِيد يدْخلُونَ الجنَّة بِغَيْر حِساب، وُجُوههم كالقَمَرِ لَيْلَة بدر، ويشفع كل واحِد مِنهُم فِي سبعين ألف رجل. فَقيل: من هم يا رَسُول اللَّهِ؟ قالَ: الغرباء.
ومن ماتَ فِي حرم اللَّهِ تَعالى أو حرم رَسُول اللَّهِ – ﷺ أو ماتَ بَين مَكَّة والمَدينَة حاجا أو مُعْتَمِرًا بَعثه اللَّهِ يَوْم القِيامَة من الآمنينَ. ألا وإن التضلع من ماء زَمْزَم بَراءَة من النِّفاق.
ومن صلى فِي الحجر رَكْعَتَيْنِ ناحيَة الرُّكْن الشّامي فَكَأنَّهُ
أحيى سبعين ألف لَيْلَة، وكانَ كعبادة كل مُؤمن ومؤمنة، وكأنما حج أرْبَعِينَ حجَّة مبرورة متقبلة، ومن صلى مُقابل باب الكَعْبَة أربع رَكْعات فَكَأنَّما عبد اللَّهِ تَعالى كعبادة جَمِيع خلقه أضعافا مضاعفة، وآمنه اللَّهِ تَعالى يَوْم القِيامَة من الفَزع الأكْبَر، وأمر اللَّهِ ﷿ جِبْرِيل ومِيكائِيل وجَمِيع المَلائِكَة ﵈ أن يَسْتَغْفِرُوا لَهُ إلى يَوْم القِيامَة.
فاغتنم يا أخي هَذا الخَيْر كُله، وإيّاك أن يفوتك. والسَّلام عَلَيْكُم ورَحْمَة اللَّهِ وبَرَكاته.
تمت الرسالَة بِحَمْد اللَّهِ تَعالى وحسن توفيقه، ووافَقَ الفَراغ مِنها لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تاسِع عشر شَوّال من شهور سنة أربع وخمسين وألف، والحَمْد لله وحده وصلى على من لا نَبِي بعده.
تقبل مِنهُ يخرج من ذنُوبه، والَّذِي يقبل اللَّهِ مِنهُ، فقد فازَ فوزا عَظِيما.
وقد رُوِيَ عَن النَّبِي – ﷺ -: أنه قالَ: من زارني بعد وفاتي فَكَأنَّما زارني فِي حَياتِي، ومن لم يدركني ولم يبايعني ثمَّ جاءَ إلى المَدِينَة بعد وفاتي، وسلم عَليّ وزارني عِنْد قَبْرِي فقد بايعني. ومن أتى الرُّكْن الأسود فَقبله فَكَأنَّما بايع اللَّهِ تَعالى ورَسُوله – ﷺ _
قالَ – ﷺ -: أن الرُّكْن يَمِين اللَّهِ فِي الأرْض، يُصافح بها عبادَة كَما يُصافح أحدكُم أخاهُ، ومن لم يدْرك بيعَة رَسُول اللَّهِ – ﷺ – واستلم الحجر فقد بايع اللَّهِ تَعالى، ورَسُوله – ﷺ.
وقالَ – ﷺ -: أنه لم يبْق شَيْء من الجنَّة غير هَذا الحجر الأسود، ولَوْلا ما مَسّه من أنجاس المُشْركين