4 جمادي أول, 1446
قصة عظيمة سيف بن ذي يزن وعبدالمطلب بن هاشم جد النبي ﷺ تستحق القراءة
ملكٌ عظيم له بطولات أعظم لم يفعلها غيره من ملوك العرب ، سيف بن ذي يزن قاهر الاحباش والشخص الذي طردهم من اليمن الى الابد بعد أن سيطروا على اليمن وهي أرض ابائه واجداده لسنوات طويله حتى جاء ودحرهم منها للابد .
سيف بن ذي يزن كان حنيفيا على ملة سيدنا إبراهيم عليه السلام ولكن كان مطلعًا على كل الديانات خاصةً النصرانيه واليهوديه كون الاحباش كانوا نصرانيين وكان هناك يهود يعيشون باليمن فكان يعلم في أمر جميع الاديان ويعلم خبايا النصرانيه واليهوديه التي لا يعلمها سواء كبار رهبانهم وحاخماتهم
فنشأ وتربى على علوم هذه الاديان لكن مع ذلك كان متمسكًا بدينه وهي الحنيفيه حتى مكنه الله وطرد الاحباش من اليمن كاملة وتوجّ عليها ملكًا فجاءت الوفود من شتى انحاء الجزيرة العربيه لِتُهنيه بإنجازه الذي لم يفعله أحدًا سواه فإنجازه هذا يفخر فيه كل العرب .
ومن ضمن الوفود التي جاءت لمقابله سيف بن ذي يزن لتهنأته كان وفدٌ من مكة المكرمه وعلى رأس هذا الوفد عبدالمطلب بن هاشم فدخلوا على الملك في قصر (غمدان) وكان يستقبل الوفود به، عبدالمطلب تحديدًا وضع الله به علامات العظمه والوقار فإذا شاهده احد يحترمه ويجعل له مكانه خاصه دونًا عن الناس
ناهيك على حب الناس الشديد له فعندما دخل عبدالمطلب على سيف بن ذي يزن مع وفده شعر سيف بأن الشخص الذي امامه وراءه أمر مهيب ورؤيته امامك ليست مثل رؤيه أي شخص أخر فشعر بهيبته قبل أن ينطق حرفًا واحدًا ، فبدأ عبدالمطلب حديثه وعرف عن نفسه.
ثم عرف الملك عن بقيه الوفد الذين كانوا معه ،وقال له أيها الملك أنت ربيع العرب الذي إليه ملاذها ،ووردها الذي إليه معادها ،سلفك خير سلف وأنت منهم خير خلف ،ولن يهلك الله من أنت خلفه ولن يهمل من أنت سلفه نحن أيها الملك أهل حرم الله أوفدنا إليك الذي أدهشنا من كشف الضر فنحن وفد التهنئة
فرحب بهم سيف بن ذي يزن وقال لهم :انتم قريش الأباطح فأهلًا وسهلًا وناقة ورحلا ومناخًا سهلا وملكا سمحلا يعطي عطائًا جزلا ، وطلب من وزراءه أن يكرموهم ويقضوا جميع احتياجاتهم وطلب منهم المكوث باليمن ولا ينصرفوا إلى ديارهم حتى ينادي عليهم .
فجلس عبدالمطلب يوم ويومين وثلاث وأسبوع واثنان واربع وهو ينتظر أن ينادي عليه الملك حتى ينصرف وبعد شهرًا كاملًا طلب سيف بن ذي يزن أن يُنادى على عبدالمطلب وحدهُ ومن دون أن يأتي معه أيًا من اصحابه وطلب من الوزراء والحاشيه أن ينصرفوا ويتركوه مع عبدالمطلب حتى يخبره الامر المهيب.
فبدأ سيف بن ذي يزن حديثه مع عبدالمطلب ولا أحد يسمع حديثهم سوا الله ، فقال سيف : يا عبد المطلب إني مفوض إليك من علمي أمرًا لو غيرك كان لم أبح له به، ولكني رأيتك معدنه فأطلعتك عليه فليكن مصونًا حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره..
وعبدالمطلب يسمع بإنصات شديد فيكمل سيف حديثه ويقول، إني وجدت في الكتب التي أختزناها لأنفسنا وسترناها عن غيرنا وما أطلعنا أحدًا عليها خبرًا عظيمًا وخطرًا جسيمًا فيه شرف الحياة وفخر الممات للعرب عامة ولرهطك كافة ولك خاصةً فأهتز عبدالمطلب مما سمع واخذ جسمهُ يرجف واخذ ينصت للملك ..
الذي أكمل حديثهُ وقال إذا وُلِد مولود بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، إلى يوم القيامة هذا حينه الذي يُولد فيه أو قد وُلد، واسمه أحمدٌ أو مُحمد يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه وقد وجدناه مرارًا، والله باعثه جهارًا، وجاعل له منا أنصارًا يعز بهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه ..
ويفتتح كرائم الأرض، ويضرب بهم الناس عن عرض، يخمد الأديان، ويكسر الأوثان ويعبد الرحمن، قوله حكم وفصل، وأمره حزم وعدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله ، عبدالمطلب كان يسمع الكلام وهو مندهش تمامًا ومرتعب بشده لكنه لم يقاطع الملك وجعله يكمل كلامه..
فأكمل الملك قائلًا ، ( وَالْبَيْتِ ذِي الْحُجُبِ، وَالْعَلَامَاتِ عَلَى النُّصُب، إنك يا عبد المطلب لجده من غير كذب ) ففزع عبدالمطلب وخرَ ساجدًا ،لأن الوصف الذي كان يوصفه الملك يطابق تمامًا لوصف حفيده محمد بن عبدالله !!
فقال عبد المطلب: أيها الملك، كان لي ابن كنت له محبًّا وعليه حدبًا مشفقًا ، فزوجته كريمة من كرائم قومه، يقال لها: آمنة بنت وهب بن عبد مناف، فجاءت بغلام بين كتفيه شامة فيه كل ما ذكرت من علامة، مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه !! ..
قال ابن ذي يزن: إن الذي قلتُ لك كما قلتُ، فاحفظ ابنك واحذر عليه اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلًا، وَاطْو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك (بمعنى لا تخبر الوفد الذي معك بحديثنا) فإني لست آمن أن تدخلهم النفاسة (بمعنى الغيره) من أن تكون لكم الرياسة..
واكمل الملك حديثه وقال : فإني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن يثرب دار هجرته، وبيت نصرته، ثم أمر لكل رجل من الوفد مئة من البعير وخمسة أرطال فضة وحلتين من حلل اليمن وكرش مملوءة عنبرًا، وأمر لعبد المطلب بضعف ذلك، وقال:( إذا حال الحول فأنبئني بما يكون من أمره) ..
بمعنى إذا بُعث به وصار نبيًا تعال وأبلغني حتى ينصره على أعدائه ، لكن سيف بن ذي يزن مات بعد مدة قصيرة ولم يشهد بعثه النبي عليه الصلاه والسلام …
ما أخبر به ابن ذي يزن عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم كان من الأسباب التي جعلت عبد المطلب يكرم النبي صلى الله عليه وسلم ويقول لأولاده إذا نحّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مجلسهم لصغر سنه : (دعوا ابني فوالله إن له لشأنًا).
ولما عاد عبدالمطلب بالهدايا من عند الملك كانت قريش فرحه جدًا بما حصل عليه عبدالمطلب من هدايا وثروه فقام عبدالمطلب وقال :يا معشر قريش لا يغبطني (بمعنى لا يفرح) رجل منكم بجزيل عطاء الملك فإنه إلى نفاد ولكن يغبطني بما يبقى لي ذكره وفخره ولعقبي، فقالوا له:وما ذاك؟ قال:سيظهر بعد حين.
فكان عبدالمطلب يلمح لهم بأن هناك أمرًا عظيم سيحدث لرجلٌ من صلبه ، وفي بعض الكتب مثل أعلام النبوة للامام الماوردي، ذُكر أن عبدالمطلب أخبر أبو طالب بهذا السر وأبو طالب أخبر العباس وحمزه رضي الله عنهم قبل وفاته بشهور .
الجدير بالذكر أن اليهود والنصارى كانوا يعلمون أن هناك نبي سيظهر من جزيره العرب لأن في كتبهم ذكر هذا الامر ولنا في قصه سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه خير دليل على أن العالم أجمع كان ينتظر ظهور آخر نبي ورسول على هذه الارض..