8 جمادي أولI, 1446
جاء عهد التابعين. وازدهر فقه الرأى فى العراق على يد إبراهيم النخعى، ونقله حماد لأبى حنيفة.
ماذا كانت أصول أبى حنيفة؟ قرر أن القرآن هو الأصل والسنة هى الفرع. وأن القرآن مهيمن على الحديث، فكل القرآن قطعى الثبوت.
هنا يثور التساؤل: ماذا يفعل الحنفية لو وجدوا حديثا يعارض (أو قل يخصص) القرآن.
مثلا: القاعدة العامة هى القصاص (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ). ماذا نفعل لو جاءنا حديث يقول مثلا (لا يُقتل حر فى عبد أو مسلم فى كافر). هناك تعارض واضح أو سمّه تخصيصا إن شئت، فكيف نوفق بينهما؟
أبوحنيفة رفض أحاديث الآحاد إذا تعارضت مع عام القرآن. وبالتالى قضى بقتل السيد إذا قتل عبده وترك الحديث.
بالطبع لم يكن أبوحنيفة يرفض أمر النبى، ولا كان علمه قليلا فى الحديث (كما يشيعون)، ولكن قلّ عنده ما ثبت من رسول الله، لانتشار الكذب على النبى فقلت ثقته فى صحة الأحاديث.
■ ■ ■
والآن ماذا فعل باقى الأئمة؟
كان الإمام مالك فى المدينة وكان معاصرا لأبى حنيفة وإن كان يصغره سنا. قرّر أن عمل أهل المدينة أوثق عنده من أحاديث الآحاد. ووجهة نظره أن عمل أهل المدينة هو اتباع ألف عن ألف عن رسول الله.
وبالتالى لم يعمل بأحاديث هو نفسه رواها فى موطأه. مثل نجاسة فم الكلب. قال كيف يكون نجسا إذا كان القرآن قد أحل أن يصطاد لنا ويحمل الصيد بأسنانه؟
أيضا أخذ بسنن الصلاة كعمل أهل المدينة ولم يأخذ بأحاديث رواها البخارى بعد ذلك فى صحيحه.
■ ■ ■
جاء الشافعى بعد مالك، وبدأت الأمور تضيق بعد السعة. لأن ما فعله الشافعى ترتب عليه أمورا خطيرة، لأنه لم يجعل السنة فى المرتبة الثانية، بل جمع القرآن والسنة معا فى وعاء واحد وسماه (النص)، وكانت هذه نقلة خطيرة فى تاريخ الفقه الإسلامى.
وجاء آخر الأئمة الأربعة وهو ابن حنبل، كان محدثا فى الأصل وتزايد الاهتمام بالسنة القولية وأغلبيتها الساحقة أحاديث آحاد.
لاحظ أن أول الأئمة (أبا حنيفة) كان أقربهم للحرية الفكرية، وآخر الأئمة أكثرهم تحفظا. عن نفسى يدلنى هذا أن أصل الدين المحمدى هو الحرية وكلما تباعد العهد تفشت التقاليد.
■ ■ ■
لا أنسى الإشارة إلى ابن داود (مؤسس المذهب الظاهرى) والذى كان معاصرا لابن حنبل، وكان يحتقره ويبعده رغم تودد ابن داود له، لأنه بلغه عنه قولا كاذبا بخلق القرآن! ابن داود رأى أن الدين نص إلهى لا رأى فيه، وإنما يجب أن نتبع ما جاء به نص (قرآنى أو حديث) ولا يكون هناك رأى إطلاقا (لا قياس ولا استحسان). لكن ابن دواد ده مات دون أن تكون له أتباع ينقلون فقهه رغم أنه كان ورعا تقيا.
(نكمل لاحقا).