1 ربيع أولI, 1446
كنت أتساءل
لماذا سكت نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام على جريمة أولاده عندما عادوا إليه بقميص يوسف وعليه
دم كذب؟
خصوصاً وأنه لم يصدقهم عندما رأى القميص سليماً
دون تمزيق
{بل سولت لكم أنفسكم أمرا}،
ولماذا لم يذهب إلى موقع الجريمة ليبحث عنه
كما يفعل أي أب في مثل هذا الموقف؟
بل لماذا لم يجبرهم على الاعتراف بما فعلوه بأخيهم؟
ولماذا اختار الطريق الأصعب:
{فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}..
ثم عجبت من تكرار جوابه نفسه بعد سنوات طويله
عندما عاد إليه أبناؤه من مصر وقد نقص عددهم اثنين،
وهما الأخ الأصغر الذي حبسه عنده يوسف،
والأخ الأكبر الذي أصر على البقاء في مصر خجلا من أبيه،
فقال مرة أخرى :-
{بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل}.
وتبين لي أنه كان على يقين من نتائج صبره
{عسى الله أن يأتيني بهم جميعا}،
لكنه لا يكاشف أولاده بما في صدره مكتفيا بتوكله على الله
{إنه هو العليم الحكيم}.
عجبت أيضا من إصراره على كتمان ألمه في قلبه،
{وتولى عنهم}
دون أن يطالبهم بالإفصاح عن شيء،
{وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن
فهو كظيم}.
وأولاده يعجبون من صبره وطول أمله،
فيتساءلون
{تالله تفتأ تذكر يوسف}
حتى تموت من الحزن؟
فيكتفي بالقول
{إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون}
أدركتُ عند هذه الجملة الأخيرة أنه كان قد أوحي إليه،
فلعل الله تعالى كان قد أمره بالسكوت منذ البداية،
فكتم همه الكبير في قلبه سنوات طوال،
حتى فقد بصره من الحزن دون أن يشكو للناس بكلمة.
أدركتُ أيضاً أن ابنه يوسف قد أوحي إليه منذ أن جعلوه في غيابة الجب، فعلم عندها أن وراء المكيدة حكمة إلهية،
وأنه سيأتي اليوم الذي ينفذ فيه الوعد
{لتنبأنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون}،
فصبر أيضا كصبر أبيه،
وتحمل الأسر والغربة والسجن بضع سنين.
لم يخرج يعقوب للبحث عن ولده،
ولم يحدثنا القرآن عن طلبه من الله أن يدله عليه.
ولم يعُد يوسف بعدما كبر وتمكّن إلى أهله،
كما لم يحدثنا القرآن عن طلبه من الله أن يرشد أهله إليه.
كلاهما كان ينتظر ويصبر ويكتم،
وكلاهما كان ينفذ أمر الله ويتابع وظيفته بهداية الناس وتبليغ الرسالة.
وعندما جاء موعد كشف الحقيقة
عاد ليعقوب بصره،
وعاد ليوسف أهله،
وطلب إخوته المغفرة،
{وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي قد جعلها ربي حقا}.
وأخذ يوسف يعدد نِعم الله عليه
{وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو}
بدلا من الانتقام والشماتة
و بعد أن جلس على العرش وسجد إخوته بين يديه،
لم يعاتب منهم أحداً ونسب الأمر كله إلى الشيطان
{من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي}،
ولم يتساءل لماذا كان عليه أن يعاني سنوات طوالا مع أبيه،
بل قال :-
{إن ربي لطيف لما يشاء}،
وأوكل كل شيء إليه
{إنه هو العليم الحكيم}.
وتابع تعداد النعم دون أن يلتفت إلى كل ما مر به من محن،
{رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث}،
وكيف له أن يعاتب ربه أو يتذمر وهو تعالى {فاطر السموات والأرض}،
بل أخذ يدعو بكل ضراعة وخشوع
{أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما}،
وزاد بكل تواضع {وألحقني بالصالحين}.
أيقنتُ بعدها أن الأنبياء هم أشد الناس ابتلاء،
وأنه لا بد أن يحيط أهل الضلال بالصالحين إلى درجة
أن يبتلي الله أنبياءه بأبنائهم وإخوتهم،
ووجدتُ الخطاب الإلهي يطمئن نبينا محمد صل الله عليه وسلم بأن الأمر لن يختلف كثيراً في أمته،
{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}،
وفهمتُ أن الفرج لا يأتي إلا بعد أن يصل الصبر إلى نهايته
{حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا فنُجّي من نشاء}،
وعندها تكون المهلة أيضا قد انتهت
{ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}.
عجبتُ بعد كل هذا لمن ينفد صبره ويسأل
عن عدل الله وحكمته،
{ما كان حديثا يُفترى، ولكن تصديق الذي بين يديه}،
ففي القرآن أجوبة على كل الأسئلة
{وتفصيل كل شيء، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}.
👤د. عمر المقبل
مهلاً
اقرأها بهدوء وتامل لترى النور في أحسن القصص
كٌن عَلى يقِين :-
أنَ هُناكَ شَيء ينتظرُك بَعد الصَبرّ ليُبهرك ويُنسيكَ مَرارَة الألمّ
ذاكَ وعدُ رَبي وبَشِرّ الصَابِرينّ