15 ربيع أول, 1446
. مَا تِقْدَر مَا تِلْحَقْنِي
بقلم/حسين حمزة محمود عويضة
المدينة المنورة
—————————————-
في جلسة أخوية جمعتني ببعض الأخوان الكرام مساء أول أمس ، روى لنا أحد الجُلساء قصة حقيقيّة وهو شاهد عيان عليها حدثت في وقت سابق لأحد الأشخاص ، ارتعدت لها فرائصي واقشعرّ لها جسمي وذرفت دموعي تأثّراً بها .
يقول صاحبنا :
شخص اغتصب أرضًا من شخص آخر ، فطرق المظلوم جميع الأبواب وعمل كُلّ ما بوسعه لاسترداد أرضه بكل الطرق والسُّبُل فلم يتمكّن من استردادها .
غضب وانقهر الرجل حتى بلغ به الأمر إلى عجزه ومرضه :
شعر المظلوم بعدها أنّ منيّته اقتربت فدعا أبناءه ووصّاهم بإعطاء رسالة كتبها بخطّ يده وباللُّغة العاميّة التي اعتاد عليها بعد موته لذلك الرجل المُعتدي وأكّد على أبنائه بعدم موافقتهم على أيّ شىء يطلبه منهم الرجل من أجل تبرئة ذمّته .
لكنّ السرّ الأعظم والمفاجأة الكُبري كانت تختبيء وتكمن وراء سطور تلك الرسالة التي كتبها وطلب تسليمها بعد موته للرجل ، والتي احتوت على كلمات تهتزّ لها قلوب الكثيرين قال فيها :
أنا سَبَقْتُك إلى الدار الآخرة ..
وَمَاتِقْدَرْ مَا تلِْحَقْنِي .. أنا بانتظارك .. فهناك ملك الملوك وأحكم الحاكمين سيكون القاضي بيننا . وكفى .
مات الرجل ، وقام أولاده بتسليم الرسالة لخصمه كما وصّاهم .
لمّا قرأ الرجل الرسالة إنهار وفقد وعيه .
لمّا استيقظ من غفلته واستعاد وعيه ، انكبّ يبكي عند أقدام أبناء الرجل طالبًا منهم السماح ، وعرض عليهم أن يأخذوا كُلّ مايملك مقابل السماح وتبرئة ذمّته ، رفضوا ذلك نزولاً لرغبة ووصيّة والدهم .
بعد أسبوع فقط من استلام الرسالة مات الرجل ولحق بصاحبه المقهور المظلوم ،
وهناك تجتمع الخصوم لتصفية الحسابات .
( لَاظُلْمَ اليَوْمَ ) .
انتهت القصّة بموتهما .. انتهت في الحياة الدنيا .. ولكن للقصّة بقيّة في الحياة الآخرة .. سيُعاد فتح ملفّ القضية مرة أخرى والاختلاف هنا أنّ القاضي الذي سيحكم فيها هو الله تبارك وتعالى ملك الملوك … وفي يوم عصيب لن يفلُت الخصم من خصمه ولن يفلت الظالم من المظلوم :
( وقِفُوهُم إنّهم مَسْؤُولُون ) .
وَفَتْح الملفّات هناك يسري وينطبق على كُلّ مظلمة في الدنيا مالية أو غيرها صغيرة كانت أم كبيرة .. يُعطى الحقّ لصاحبه ويُردع الظالم بما يستحق .
يظلّ الحقّ شوكة في حلق الإنسان تخنقُه لا يُزيلها إلاّ إسترجاع الحقّ لصاحبه قبل موته .. وإلاّ فالحساب شديد والعذاب أليم والوقوف بين يدي الله عظيم .
قال تعالى :
( ولَا تَحْسَبَنّ الله غَافِلًا عَمَّا يَعْمَل الظَالِمُون إنّمَا يُؤخِرُهُم ليَوْم تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار … الآية ) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حُرّاً وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يُعطه أجره ) رواه البخاري .
قصّة سمعتها وتأثرت بها فرغبتُ أن تسمعوها معي لعلّنا نتّعظ ونُعيد حساباتنا قبل أن نقف بين يدي الواحد الديّان .
والله المستعان .
—————————————
بقلم/حسين حمزة محمود عويضة
٢ / ٤ / ١٤٤٥هـ