15 ربيع أول, 1446
*التأمل المفيد (٢٣٤)*
*معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا !! [الحلقة الرابعة والتسعون].*
*نواصل -بتوفيق الله تعالى- التأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!*
*قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ • وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الصف : ٦-٧] !!*
*وقفنا في الحلقة السابقة من التأملات القرآنية على مخاطبة رب العالمين لأهل الحضارة الغربية بما ينفعهم في رحلة الحياة الدنيا -وجُلُهم من اليهود والنصارى- وأن ذلك الخطاب رحمة ربانية بهم؛ منذ ألف وأربعمائة عام !!*
*لكننا لا نزال نرى بُعد الحضارة الغربية عن هدي رب العالمين، وأنهم يأخذون بأسباب السقوط والأفول بدلا من العودة والأوبة لخالقهم الذي أوجدهم من العدم، والذي جعل هديه سبحانه رفِعة لمن أخذ به في الدنيا والآخرة، وتركه والنكوص عنه موجبا للعذاب في الدنيا والآخرة، قال تعالى عن المكذبين من اليهود والنصارى في الآية التي تلت آية رفع الله تعالى لعيسى عليه السلام إليه: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [آل عمران : ٥٦] !!*
*والسؤال الذي يطرح نفسه: ما أكبر ذنب اقترفوه؛ دلت عليه النصوص الشرعية، والذي يُعد أكبر أسباب انهيارهم المتسارع ؟!*
*الجواب: دلنا القرآن الكريم في الآية الكريمة التي هي موضع التأمل؛ والتي جاءت في سياق الحديث عن تبشير عيسى عليه السلام لبني إسرائيل ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الصف : ٧]، دلت الآية الكريمة على أن تكذيب المكذبين من أهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم؛ والحق الذي جاء به؛ هو الذنب الأعظم الذي اقترفوه -ولا يزالون يفعلون- وهو الذي سيوردهم المهالك في الدنيا والآخرة !!*
*فكيف إذا كان هذا الأمر الذي يكذّبون به؛ هو ما يعلمون في قرارة أنفسهم أنه الحق من رب العالمين، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل : ١٤] ؟؟!!*
*وسأقف في هذا المقال -بعد توفيق الله تعالى- وقفتين مع بعض النصوص الشرعية التي تثبت أن المكذبين من أهل الكتاب يعرفون في قرارة أنفسهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، وأن الشريعة حق:*
*الوقفة الأولى: يعلم المكذبون من أهل الكتاب في قرارة أنفسهم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله، مبشر به في كتبهم، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الصف : ٦]، بل ويعرفون النبي محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله بأوصافه المذكورة في كتبهم؛ مثل معرفتهم بأبنائهم، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة : ١٤٦] !!*
*وبالرغم من تلك المعرفة؛ كفروا به صلى الله عليه وسلم وبالحق الذي جاء به كأنهم لا يعلمون، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة : ١٠١] !!*
*الوقفة الثانية: يعلم المكذبون من أهل الكتاب في قرارة أنفسهم سمو وعدل أحكام شريعة الله تعالى .. وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ معرفتهم بقبح فاحشة الزنا؛ حكى ذلك لنا القرآن الكريم؛ حين اتهم اليهود مريم الطاهرة عليها السلام بالفاحشة، قال تعالى: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم : ٢٨] !!*
*وبالرغم من إقرارهم بقبح فاحشة الزنا داخل نفوسهم؛ إلا أنهم تفننوا -في عصرنا خاصة- بحرب هذه المعرفة التي يقرون بها في داخلهم عن قبح الزنا، وذلك بالتفنن في عرض العري والمجون من هوليود وغيرها من مؤسسات الخزي والعار لديهم، ذلك أن ديدنهم السعي في الأرض فسادا، قال تعالى عن اليهود: {ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة : ٦٤] !!*
*أخيرا: يلاحظ القارئ الكريم أنني استخدمت في المقال وصف “المكذبين من أهل الكتاب” ولم أقل “جميع أهل الكتاب”؛ ذلك أن المكذبين من أهل الكتاب هم فئة قليلة مستكبرة، يدل على ذلك ما سمعناه من إسلام العشرات -بعد حادثة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم- ممن تعرفوا على الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بعد الحادثة، ولم يكونوا يعرفون ذلك من قبل .. بخلاف المكذبين الجاحدين لما يعلمونه من الحق !!*
*لكن كون الغالبية من أهل الكتاب ليسوا من المكذبين -عن علم ومعرفة- للرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهذا لا يعفيهم من البحث عن الحق، والخروج ممّا هم فيه من شرك وضلال، والتعرف على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم؛ خاتم النبيين والمرسلين !!*
*اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..*
*نواصل الحديث -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..*
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..