11 ربيع أولI, 1446
الأجهزة الذكية منافع ومضار
صالح بن فريح البهلال
التصنيف: وسائل إعلام واتصال
المصدر: مجموعة مواقع مداد
…..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأجهزة الذكية منافع ومضار – صالح البهلال
جهاز صغير الحجم، كبير الأثر، ملأ الدنيا، وشغل الناس، ذلكم هو الهاتف الذكي، وما أدراكم ما الهاتف الذكي، أنيس الوحدة، وأداة إنقاذ ونجدة، يقرب البعيد، ويسهل العسير، وتوفر به الأوقات، وتنجز به المعاملات، ويوصل به الأرحام، ويحسن به الأرامل والأيتام، وينشر به العلوم الناقعة، والفوائد الجامعة، إن شئت سمعت به القرآن، وإن شئت سمعت مقاطع التعليم والبيان، وإن شئت ضحكت من نوادره، وعجبت من غرائب فوائده، وإن شئت ألهتك طرائفه، وإن شئت أبكتك مواعظه
إلا أنه يا عباد الله مع فوائده الجسام، ومنافعه العظام له أضرار عظيمة لا بد أن نتبينها، وأخطار جسيمة لا بد أن نتقيها؛ وإليكم بعضًا من أضراره، وشيئًا من أخطاره:
فمن أضراره أنه سبب لخدش الإيمان أو ذهابه، فكم من شاب ذهب دينه أو كاد بسبب شبهة علقت بقلبه جراء مشاهدته لحسابات تعج بالشبهات، وكم من شاب وقع في الحرام، وارتكب الآثام بسبب ما يراه فيه من فتن الشهوات.
ومن أضراره أن جعل بعض الناس يتهاون بالمعصية، ويستسهلها؛ فتراه في السابق يتورع أن ينظر إلى صورة محرّمة؛ فانقلبت به الحال إلى أن صار يرسل إلى الآخرين المقاطع الخادشة، وصور النساء الكاسية العارية؛ نسأل الله العافية.
ومن أضراره أنه يسرق الأوقات ويؤخر إنجاز المهمات، فترى الرجل يجلس بعد الصلاة يريد أن يقرأ ورده من القرآن، أو كتابًا قيّمًا ذا شأن، ويخطر بباله أن يقوم بجولة خاطفة على جواله قبل أن يشرع في القراءة؛ فلا يفجؤه إلا المؤذن يرفع النداء للصلاة الأخرى، وهو لم يقرأ شيئًا.
فكم جاد أوهنت جدَّه، وكم طالب علم أهدرت وقته، وكم حافظ أضعفت حفظه.
ومن أضراره أنه يسيء الآداب، ويفرق الأحباب، فترى الأسرة الواحد مجتمعين، تحسبهم جميعًا، وقلوبهم شتّى، كل أمرئ منهم مشغول الفكر، مشدود النظر، لا يزيغ بصره عن جواله؛ وكأنه قد جلس لحاله!
ومن أضراره أنه يوقع الابن في عقوق والديه وهو لا يشعر؛ فترى الوالدين يتحريان زيارة ابنهما، ويرتقبان مجلسه، ويحبان حديثه، فإذا جاء انشغل عنهما بجواله تاركًا عملًا من أعظم أعماله؛ فلعمري لقد باع ثمينًا بكاسد!
ومن أضراره عكوف الأطفال الزمان الطويل على ألعابه، فكم غير من عقائدهم، وكم أثر في أفكارهم وكم شتت من انتباههم؛ وكم علمهم سيء الآداب والحركات، ومكروه السلوك والعادات، وما خبر إزهاق بعض الأطفال نفسه بسبب ألعابه بخاف عنكم.
وأما أضرار هذا الجهاز مع الناس في سياراتهم فله شأن آخر، فانظر في السائقين عن يمينك وشمالك، فستلقى كثيرًا منهم قد أمسكوا المقود بإحدى اليدين، والجوال بالأخرى، فكم حصل في ذلك من حوادث أليمة، وأضرار مستديمة.
هذه بعض أضرار هذا الجهاز عباد الله؛ وتلك معاناة كثير من خلق الله!
فلقد أصبح إدمان هذه الأجهزة الذكية ديدن كثيرين، لا يغادر أبصارهم، ولا تنفك منه أيديهم!
وإن أحسن مسلك للتعامل الأمثل مع هذه الأجهزة الذكية هو تطبيق سياسة الحزم معها؛ فاللبيب الحازم من ضبط نفسه، وغار على وقته؛ فالعمر ليس أيامًا تسير؛ بل هو أيام تطير؛ وصدق القائل:
دقات قلب المرء قائلة له … إن الحياة دقائق وثواني
وكل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها، ومن الحرمان إضاعة الزمان، بالاشتغال في الجوال، باللهو والإهمال.
وإن من الحزم إذا رأيت تطبيقًا عن الطاعة قد ألهاك، وبالمعصية قد أغراك أن تسارع إل حذفه؛ فليس من الحزم والكياسة في شيء أن تديم فيه النظر، وقد بان منه الضرر.
وإن من الحزم مع نفسك ألا ترد بجوالك على حسابات الشبهات والشهوات؛ فالقرب منها مزلة أقدام، ولا ينبغي لأحد أن يغتر بإيمانه، فقد قال ﷺ: (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به الشبهات)، وقد ترجم أهل السير لابن الراوندي، فذكروا أنه كان في أول أمره حسن السيرة، كثير الحياء، ثم انسلخ من ذلك، وذكروا في سبب ضلاله أنه كان يلازم الرافضة والملاحدة، فإذا عوتب قال: إنما أريد أن أعرف أقوالهم!! فتشربها وقال بها، نسأل الله العفو والعافية.
وإن أعظم مانع يمنع العبد في النظر في الحرام في جهازه الجوال استشعار مراقبة الله؛ فتصور نفسك، ولو كان معك جهاز راصد لأحوالك، ومدقق على مافي جوالك، وبعدها سيقوم شخص بمحاسبتك على كل نظرة أطلقتها، وكل كلمة كتبتها؟ فهل حينها ستطلق لنفسك العنان فيما تهوى وتشتهي؟ لا لن تفعل! إذن فالله أعظم وأجل، فذكر بهذا الأمر نفسك، وذكر به أولادك.
وإن الموفق من إذا جلس عند والديه استشعر باب الجنة يفتح، ونسمات الرحمة تنزل؛ فأقبل عليهما، واترك كل ما يشغل.
وفي جانب الأطفال على وليهم أن يحدد لهم الأوقات، ويعرف ما يمارسونه من ألعاب، ويبين لهم ما ينفعهم وما يضرهم من المشاهد، وينظر في أجهزتهم بين الفينة والأخرى، ويتعهدهم بعطف وأبوة، وحب وحنان؛ فإن ذلك سبب لصلاحهم واهتدائهم.
ولا ننسى الدعاء، بأن نلجأ إلى الله دومًا؛ بأن يعطينا خير هذه الأجهزة، وأن يصرف عنا شرها، فما أكثر الغافلين عن الدعاء بهذا.
اللهم احفظ أسماعنا وأبصارنا وأوقاتنا، وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين