10 ربيع أول, 1446

.ملخص بحث:
( الحقوق والحريات في الإسلام )

الذي ألقي في مؤتمر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة…

إعداد أ.د. حسن أبوغدة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن من الحقائق الثابتة أن حقوق الإنسان وحرياتِه لَصِيقةٌ بشخْصه، وأن كمال إنسانيته ونقصانها مرهونان بقدْرِ ما يتمتع به من حقوق ويَنعم به من حريات.

والأمر الذي لا يُختَلف فيه: أن الفرد الذي لا يتمتع بحقوقه وحرياته، لا يمكن أن يبدع أو يسهم بصدق في تقدم مجتمعه وتنميته وازدهاره؛ لشعوره بالظلم في الوسط الذي يعيش فيه.
وبما أن الحريات والحقوق في هذه الأهمية والخطورة، فقد شغل الحديثُ عنها الشعوبَ والدولَ منذ القِدَم، وفي العصر الحديثِ اكتسبت ” حقوقُ الإنسان وحرياتُه ” أهميةً كبيرة، وذلك في أعقاب تصاعد الانتهاكات الخطيرة لها، وبخاصة في الحربين العالميتين: الأولى والثانية، وما بعدهما.

ويُعدُّ ” الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ثلاثين مادة في 10/12/1948م، تتويجاً لحضارة الغرب، ولجهود المفكرين والمصلحين في العصر الحديث، واشتمل على العديد من الحقوق والحريات التي لا غنى للإنسان عنها، والتي تتوافق مع ما تصبو إليه تعاليم الإسلام ومقاصده، وإن كان على بعض ما ورد في ذلك الإعلان ملاحظاتٌ من وجهة نظر شرعية، كالمساواة المطلقة بين النساء والرجال، وحرية التعبير المطلقة ولو تعدَّت على الأديان والمقدسات، وحق الإنسان ” المسلم ” في تغيير عقيدته ” الردة “، وتكافؤ المسلم مع غير المسلم، وإمكانية زواج المسلمة من غير المسلم…

والحق يقال: إن من محاسن دين الإسلام أنه خصَّ موضوع حقوق الإنسان وحرياته بنصيب وافر من الاهتمام في تشريعاته المبكرة، مع بيان أنواع تلك الحقوق والحريات، ومجالاتها، وخصائصها، وحدودهـا، وآثارها، وضمانات تحقيقهـا في المجتمع. وقد جاء هذا البحث ليُسهِـم في بيان معالم: ( الحقوق والحريات في الإسلام ) وذلك على النحو التالي:

1ـ جاء مخطط هذا البحث في تمهيد وخاتمة، بينهما فصلان، عنوانُ الفصلِ الأول: حقوقُ الإنسان في الإسلام، أما الفصل الثاني فعنوانُه: الحرياتُ في الإسلام، وفي كلٍّ منهما مطالب مفصَّلة.

2ـ يراد بحقوق الإنسان في الإسلام: مجموعة النصوص والقواعد التشريعية العامة المجردة، التي تنظم على سبيل الإلزام، علائقَ الناس من حيث الأشخاص والأموال وتحميها، في ضوء تعاليم الإسلام.

3ـ لم يَرِدْ مصطلحُ: ” حقوقِ الإنسان ” بهذه الصيغة في القرآن والسنة وكتابات العلماء المسلمين السابقين، لكنه ورد بصيغة مقاربة هي: ” حقوق الناس “، التي استُعملت بتوسع في مجالات عديدة لم يُضَمَّن بعضُها في الإعلانِ العالميِّ المعاصر لحقوق الإنسان، وذلك عند حديث الفقهاء عن حقوقِ العباد، وحق المسلم على المسلم، وحقوقِ الزوجين، وحقوقِ الأبناء، وحقِّ الجار، وحقوقِ المتبايعين، والحقِّ في الشفعة، وحق المرور في المرافق العامة والمشترَكَة، وحقِّ المؤجِّر والمستأجر والأجير، وحقِّ المدَّعي والمدَّعَى عليه، وغيرِ ذلك مما ورد في البحث.

4ـ التأكيد على أن الإسلام خصَّ حقوقَ الإنسان وحرياتِه بنصيب وافر من الاهتمام في تشريعاته المبكرة، وأساسُ ذلك التكريمُ الإلهي للإنسان، والمحافظة على المقاصد الكلية الخمسة وهي: حفظ النفس، والدين، والنسَب، والعقل، والمال.

5ـ لحقوق الإنسان في الإسلام مصادرُها التشريعيةُ الخاصة المعروفة، كالكتاب، والسنة، والإجماع، والاجتهاد، والمصالح المرسلة ونحوها، ولها خصائصُها، ككونِها ربانيةَ المصدر، وأساسُها التكريمُ الإلهي، وهي إيجابيةٌ وأبديةٌ ثابتةٌ لا تتبدَّل عبر الأزمان، وهي أيضاً عامةٌ وشاملةٌ لكلِّ الحقوق ولكلِّ البشر، وليست حِكْراً على شعب دون شعب.

6ـ من حقوق الإنسان في الإسلام: حقُّه في الحياة وسلامةِ البدن والعقلِ والعِرض، وحقُّه في العدالة القضائيةِ والمساواةِ الإنسانيةِ وتكافؤِ الفرصِ أمامَ إدارات الدولة ومرافقِها ووظائفِها، وحقُّه في العيش بأمانٍ مطلقٍ بعيداً عن الإهانةِ والتعذيب والتجويعِ والترويع، وحقُّه في العمل والتملُّك والسكن والرعاية الاجتماعية والصحيةِ والكفاية المعيشية، وحقُّه في الزواج وتكوين الأسرة وحمايةِ خصوصياتها، وحقُّه في التعلُّم والثقافة والمعرفة، وأن يعيش في بيئةٍ نظيفة من المفاسد الأخلاقية والأوبئة الصحية، وحقُه في المواطنة والجنسيةِ وعدمِ سحبها منه أو إبعادهِ عن وطنه، وأن يشترك في إدارة شؤون بلاده ومراقبة سلطاتِها بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وحقُّه في طلب الأمان واللجوء السياسي. وقد تمَّ توضيحُ جميعِ هذه الحقوق وغيرها، وبيانُ مستنداتِها من نصوص الكتاب والسنة وأقوال العلماء، مع ذكرِ قصصٍ واقعيةٍ ونماذجَ تطبيقيةٍ من العصر النبوي وما بعده، كما تم بيان أسبقيتها على المواثيق الدولية في تحقيق كرامة الإنسان وصون حريته.

7ـ أما الحريات في الإسلام فقد تم تعريفها بأنها: إطلاق العِنان للإنسان ليفعل ما يريده بما لا يضر الآخرين، في ضوء تعاليم الإسلام، وشأنُها ـ شأنُ حقوق الإنسان ـ أنها حظيت بنصيب وافر من اهتمام الإسلام بها في تشريعاته المبكرة، وأساسُ ذلك التكريمُ الإلهي للإنسان، والمحافظة على المقاصد الكلية الخمسة وهي: حفظ النفس، والدين، والنسَب، والعقل، والمال، ولها مصادرُها وخصائصُها التي تمَّ بيانها في هذا البحث.

8ـ الحرياتُ في الإسلام أنواعٌ عديدة، من أبرزها: الحريةُ من الرِّقِّ والعبودية، وحريةُ الاعتقادِ والعبادةِ، وحريةُ التفكير والتعبيرِ عن الرأي في وسائلِ الاعلام وغيرِها، وحريةُ المراسلات والاتصالاتِ بأنواعها، وحريةُ التأليف والاجتماعاتِ، وحريةُ التنقُّل والسفر…إلخ. وقد تمَّ توضيحُ جميعِ هذه الحريات، وبيانُ مستنداتِها من نصوص الكتاب والسنة وأقوال العلماء، وأن الحريات نسبية وليست مطلقة بدون حدود، مع ذكرِ قصصٍ واقعيةٍ ونماذجَ تطبيقيةٍ من العصر النبوي وما بعده، وأنها سبقت المواثيق الدولية في تحقيق كرامة الإنسان وصون حريته.

أما توصيات البحث فهي:

1ـ العمل على إعداد مقررات تُعنَى بحقوق الإنسان وحرياته من منظور إسلامي، وتدريسها في كافة في المراحل الدراسية، لإشاعة ثقافة حقوق الإنسان ودعم أنشطتها، والتوعية بقضاياها ومشكلاتها.

2ـ قيام الجهات المختصة بطبع وتوزيع الأشرطة والأقراص الالكترونية والمنشورات الورقية، التي تُعْنَى بحقوق الإنسان وحرياته، وتوزيعها في مجامع الناس.

3ـ توجيه كافة وسائل الإعلام إلى إعطاء مزيد من الاهتمام لتعميق مفاهيم حقوق الإنسان وحرياته، وذلك عن طريق الأحاديث والتمثيليات والقصص والحوارات وغيرها، وتخصيص أوقات دورية رتيبة مناسبة لذلك.

4ـ التعاون مع بعض الوزارات كالشؤون الإسلامية والأوقاف، والشؤون الاجتماعية والعمل وغيرهما، في إشاعة مفاهيم حقوق الإنسان وحرياته، من خلال خطب الجمعة والندوات والمحاضرات والمناسبات الأخرى.

5ـ التأكيد على جهات الحسبة والقضاء والإدارات الرقابية ونحوها، ببذل مزيد من الاهتمام والمتابعة للقضايا المتصلة بحقوق الإنسان وحرياته، ومحاسبة المقصرين والمتجاوزين.

6ـ التعاون مع الجهات الدولية ذات الصلة للتعريف بحقوق الإنسان وحرياته في الإسلام، وأنها جزء من تعاليم الإسلام، ولها طابعُها التعبدي، الذي يُسأل عنه المسلم، وهذا سرُّ تحقُّقِها وتطبيقِ المسلمين لها في التاريخ الإسلامي.

أسأل الله أن يتقبل هذا العمل وينفع به…. والحمد لله رب العالمين