8 جمادي أولI, 1446
العربية ربيعها؟
د. عبدالرحمن الطريري| الخميس 24 ديسمبر 2020
في يوم الـ 18 من كانون الأول (ديسمبر) من كل عام يصادف اليوم العالمي للغة العربية احتفاء، واحتفالا بهذه اللغة العظيمة، لغة القرآن، والسنة، ولغة الأدب، والعلوم، والفنون، وكم تساءلت هل الاحتفاء ينتهي بانتهاء اليوم؟ أم هو بداية عمل دؤوب تقطعه الأمة على نفسها لمزيد من الجهد والعمل؟ خدمة لهذه اللغة الجميلة في معناها، ومبناها، لتكون لغة العلم، والتعلم، والتعليم في سائر الأوطان العربية، ومن يرغب من دول العالم في حال تحولت اللغة العربية إلى لغة محتوى ثري في صنوف المعرفة كافة، كما هو الحال للغة الإنجليزية التي تتربع على عرش اللغات.
ولا يمكن القول بلغة الجزم: إن لغتنا حققت ما تستحقه من مكانة على المستوى العالمي، رغم أنها من اللغات الست للأمم المتحدة، لكن لو تأملنا في لغة التواصل العالمية، سواء بين الأفراد بشكل مباشر، أو بالاستخدامات التقنية، ومحركات البحث العالمية، وفي المكاتبات، والمعاهدات العالمية، وفي لغة الطيران العالمي نجد الهيمنة للغة الإنجليزية، وما من شك أن السبب ليس في إمكانات اللغة العربية، وقدرتها على التطور مع المستجدات، ولا في استيعابها المعارف، إذ تاريخيا كانت لغة العالم عندما كانت الحضارة الإسلامية مهيمنة على العالم، كما كان الإنسان الأوروبي إذا أراد إظهار نفسه كشخص مثقف يتعمد الحديث بالعربية، كما يفعل البعض منا حين نعمد للحديث باللغة الإنجليزية، أو أي لغة حية.
في عقود مضت وجدت جهود مناهضة للغة العربية، سواء من المستشرقين، أو من بعض أبنائها، أو المنتسبين إليها، الذين بذلوا جهودا هائلة لإحياء اللهجات، أو إشاعة صعوبتها، وتعقيدها، لإيجاد اتجاهات سلبية نحوها، وإعلاء شأن لغات أخرى من خلال تصوير حسنها، وفخامتها، وفي حديث مع أحد الطلاب الدارسين في ألمانيا بشأن اللغة الألمانية ذكر لي أن اللغة الألمانية فيها ما يشبه حركات الرفع، والنصب، والجر، والجزم، والتسكين ما يعني أن جهود إضعاف العربية مقصودة، وليست جهودا فردية.
من الأمور الملاحظة في مدن العالم العربي أن لوحات المحال تكتب باللغة الإنجليزية، كما تصدر صحف بلغات أخرى تخاطب أبناء الوطن، وليست موجهة للعالم الخارجي، وتسهم في نشر محتوى ثقافي يمجد دولة الاستعمار التي بلي به بعض الدول العربية، كما أن لغة التعامل التجاري بلغة غير العربية، وفي هذه الممارسات تقليل من شأن العربية في نفوس أبنائها، وإضعاف لها، فالرسالة المبطنة أن العربية لا تساير التغيرات، والتطورات العالمية، كما أن من الآثار إجبار الناس على قبول الواقع، والتكيف معه، لذا نجد البعض يجهد نفسه في الحديث باللغة الإنجليزية، والنطق ببعض كلماتها بصورة مشوهة، فهل يكون للجهات المعنية دور تجاه هذه الظاهرة؟.
في اعتقادي أن الاحتفاء باللغة العربية يتطلب برنامج عمل طويل، وقصير المدى، تشارك في رسمه جهات عدة على مستوى العالم العربي بكامله، ومستوى كل وطن على أن توضع قواعد عمل تلزم الجميع بالأخذ بها في الحسبان، ويشارك في رسم البرنامج جامعة الدول العربية، ومجامع اللغة العربية، وأقسام اللغة العربية في الجامعات، ووسائل الإعلام، نظرا لسعة انتشارها، ومخاطبتها جموعا غفيرة من الناس، وتأثيرها الكبير في اكتساب اللغة.
وجود برنامج يتيح الفرصة للمراجعة لمعرفة ما تحقق، وما لم يتحقق، وتحديد التحديات التي تواجه البرنامج، أو بعض أنشطته، ومراحله. البرنامج يفترض أخذه في الحسبان عقد ورش عمل، ومؤتمرات بين مختصي اللغة العربية، والعاملين في المجامع اللغوية مع مختصي المعارف الأخرى، خاصة العلوم الطبيعية، وعلوم الطب، والتقنية لتيسير تعلم الناشئة للمعارف المختلفة، ولوضع بناء معرفي متين، وحديث يساير المستجدات في العلوم.
اللغة العربية ليست لغة ميتة، أو فاقدة إمكانات التحول للغة عالمية إذا علمنا حجم من يستخدمها كتابة، وتحدثا من العرب والمسلمين وعشاقها في أنحاء العالم، ولن تكون عالميتها عسيرة متى ما اجتهد أبناؤها في زيادة المحتوى العلمي، والمعرفي المفيد للبشرية كافة، فالعبرية كانت ميتة لا تستخدم إلا في دور العبادة لكنها تحولت بجهد أبنائها إلى لغة التعليم والبحث.