12 شعبان, 1446
حُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ عز وجل
﴿الخُطْبَةُ الأُوْلَى﴾ 26/6/1446هـ
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أَمَّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَالتَّقْوَى أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللهِ عَلَى نُوْرٍ مِن اللهِ، تَرْجُو ثَوَابَ اللهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللهِ عَلَى نُوْرٍ مِن اللهِ تَخَافُ عَذَابَ اللهِ، ﴿فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾. [الأعراف: 35]، وَأُوصِيكُمْ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ؛ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِيْ بِيْ» [متفق عليه].
مَعَاشِرَ المؤْمِنينَ: إنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ مِنَ الْعِباداتِ القَلْبِيَّةِ، وَلَهُ في الإِسْلَامِ مَنْزِلَةٌ عَلِيَّةٌ، فَهُوَ مِنْ مَقَامَاتِ الدِّيْنِ، وَوَاجِبَاتِ الإِيْمَانِ، وَمُعَزِّزَاتِ الْيَقِيْنِ. وحُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ طَرِيْقٌ مُوْصِلٌ إِلَى اللهِ وَإِلَى دَارِ كَرَامَتِهِ، وَهُوَ مِنَ الْإِحْسَانِ فِي عِبَادَةِ اللهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِين﴾ [البقرة:195]، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-:”أَيْ: أَحْسِنُوا بِاللهِ تَعَالَى الظَّنَّ”. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ باللهِ مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ اللهِ» [رواه أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم، وصححه الحاكم وأقرّه الذهبي].
إِخْوَةَ الإِسْلامِ: وَحُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ يَنْبَغِيْ أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لِلْمُسْلِمِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ حَيَاتِهِ، وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ: «لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه مسلم. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: هَذَا تَحْذِيرٌ مِن القُنُوْطِ، وَحَثٌّ عَلَى الرَّجَاءِ عِنْدَ الخَاتِمَةِ؛ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَابٍّ، وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: أَرْجُو اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ» [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه].
وَحُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ: هُوَ ظَنُّ مَا يَلِيْقُ بِاللهِ تَعَالَى، وَاعْتِقَادُ مَا تَقْتَضِيْهِ أَسْمَاؤُهُ الحُسْنَى وَصِفَاتُهُ الْعُلَى، مِمَّا يُؤثِّرُ فِي حَيَاةِ الـمُؤْمِنِ؛ فَعَلَى قَدْرِ حُسْنِ ظَنِّكَ بِرَبِّكَ يَكُونُ رَجَاؤُكَ لَهُ وَتَوَكُّلُكَ عَلَيْهِ، وَحُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ أَنْ يَظُنَّ العَبْدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى رَاحِمُهُ، وَفَارِجُ هَمِّهِ وَكَاشِفُ غَمِّهِ، وَذَلِكَ طَمَعًا فِي كَرَمِ اللهِ وَعَفْوِهِ، وَمَا وَعَدَ بِهِ أَهْلَ التَّوْحِيدِ، فَحُسْنُ الظَّنِّ تَرْجِيْحُ جَانِبِ الخَيْرِ عَلَى جَانِبِ الشَّرِّ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: ”مَا أُحِبُّ أَنَّ حِسَابِيَ جُعِلَ إِلَى وَالِدَيَّ؛ رَبِّي خَيْرٌ لِي مِنْ وَالِدَيَّ” [حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا: ص45]، وَقَالَ بَعْضُ الصَّالحِينَ: “اسْتَعْمِلْ فِي كُلِّ بَلِيَّةٍ تَطْرُقُكَ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ عز وجل؛ فَإنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلى الفَرَجِ” [الفرج بعد الشدة، للتنوخي: ١/١٥٤].
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: حُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ يَمْلَأُ قَلْبَ المؤمِنِ سُرُورًا وَطُمَأْنِيْنَةً، وَيُحَقِّقُ لِصَاحِبِهِ كَرَامَةً رَبَّانِيَّةً، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِيْ بِيْ» [متفق عليه]، وفي رِوَايَةٍ: «إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ بِي شَرًّا فَلَهُ» أخرجه الإِمَامُ أَحْمَدُ في المسند وصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ –رَحِمَهُ اللهُ- فِي الفَتْحِ: “أَيْ: قَادِرٌ عَلَى أَنْ أَعْمَلَ بِهِ مِا ظَنَّ أَنِّي عَامِلٌ بِهِ”. وَحُسْنُ الظَّنِّ باللهِ دَلِيْلٌ عَلَى كَمَالِ الإِيْمَانِ وَحُسْنِ الإِسْلَامِ، وَبُرْهَانٌ عَلَى سَلَامَةِ القَلْبِ وَطَهَارَةِ النَّفْسِ، وَمُتَضَمِّنٌ لِلِافْتِقارِ إِلَى اللهِ تَعالَى، وَالْإِذْعانِ لَهُ، وَلَا يَأْتِي إِلَّا عَنْ مَعْرِفَةٍ بِاللهِ تَعَالَى وَعَظِيمِ مَغْفِرَتِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بِنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: “وَالَّذِيْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ عز وجل، وَالَّذِيْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَا يُحْسِنُ عَبْدٌ بِاللهِ عز وجل الظَّنَّ إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ ظَنَّهُ، وَذَلِكَ بِأَنَّ الخَيْرَ فِي يَدِهِ”.
عِبَادَ اللهِ: وَلَا يَكُوْنُ العَبْدُ مُحْسِنَ الظَّنِّ بِاللهِ عز وجل إِلَّا إِذَا فَعَلَ مَا يُوجِبُ لَهُ فَضْلَ اللهِ وَرَحْمَتَهُ، فَيَعْمَلُ الصَّالِحَاتِ وَيُحْسِنُ الظَّنَّ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ، أَمَّا أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ وَهُوَ لَا يَعْمَلُ؛ فَهَذَا مِنْ العَجْزِ، فَمَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ الْأَمَانِيَّ فَهُوَ عَاجِزٌ؛ لِأَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ تَعَالَى يَقْتَضِيْ حُسْنَ العَمَلِ، فَهُوَ يَصُومُ وَيُصَلِّيْ وَيَفْعَلُ الخَيْرَاتِ، ثُمَّ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِأَنَّ اللهَ سيَقْبَلُهَا مِنْهُ، وَمَا أَجْمَلَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَإِنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ حَتَّى كَأَنَّنِي *** أَرَى بِجَمِيلِ الظَّنِّ مَا اللَّهُ صَانِعُ
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ سُوْءَ الظَّنِّ بِاللهِ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَخْطَرِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ سُوْءَ الظَّنِّ بِهِ مِنَ الأَسْبَابِ الـمُوْجِبَةِ لِعَذَابِهِ وَغَضَبِهِ وِالطَّرْدِ مِنْ رَحْمَتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾[الفتح: 6]. وَسُوْءُ الظَّنِّ بِاللهِ عز وجل مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الرَّدَى وَالخُسْرَانِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ﴾ [فصلت: 23]. اللَّهُمَّ أَقِلِ الْعَثْرَةَ، وَعَافِ مِنَ الزَّلَّةِ، وَجُدْ بِحِلْمِكَ وَمَغْفِرَتِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَرْجُ غَيْرَكَ، وَلَمْ يَثِقْ إِلَّا بِكَ؛ فَإِنَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، لَيْسَ لَنا مَهْرَبٌ إِلَّا إِلَيْكَ.
قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ.. وَأَسْتِغْفِرُ اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المسلمينَ، فَاستَغْفِرُوهُ وَتُوْبُوا إليهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيْمُ.
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾
الحَمْدُ للهِ الَّذِيْ لا يَخِيبُ مَنْ رَجاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفاهُ، وَمَنْ وَثَقَ بِهِ لَمْ يَكِلْهُ إِلَى غَيْرِهِ، تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ، وَاسْتَسْلَمَ كُلُّ شَيْءٍ لِقُدْرَتِهِ، وَذَلَّ كُلُّ شَيْءٍ لِعَزَّتِهِ، وَأَشْهدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى طَرِيْقِهِمْ وَاقْتَفَى. أَمَّا بَعدُ عِبادَ الله: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وَإِحْسَانِ الظَّنِّ بِهِ، وَحُقَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِسَيِّدِهِ؛ وَلِمَ لا؟! وَهُوَ الْقَائِلُ سُبْحانَهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ الذنوب جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣].
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ لا يَتَعارَضُ مَعَ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ قالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: ”مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ لَا يَخَافُ اللَّهَ فَهُوَ مَخْدُوعٌ” [حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا: ص40]، فَالوَاجِبُ عَلَى الـمُؤمِنِ أَنْ يَحْذَرَ أَشَدَّ الحَذَرِ مِنْ سُوْءِ الظَّنِّ بِاللهِ، وَأَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ عز وجل، مَعَ الْخَوْفِ مِنْهُ سُبْحانَهُ، وَيَرْجُوَ رَحْمَتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَأَنْ يَخْشَى عَذَابَهُ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُوْلِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا اجْتَهَدَ فِي الطَّاعَةِ صَارَ أَقْرَبَ إِلَى حُسْنِ الظَّنِّ، وَكُلَّمَا سَاءَتْ أَعْمَالُهُ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى سُوْءِ ظَنِّهِ بِمَوْلاه. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي» [رواه مسلم]، يقولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: “وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ، حَسَنَ الرَّجَاءِ لَهُ، صَادِقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فِيهِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَ آمِلٍ، وَلَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ”.
فَلَا تَظْنُنْ بِرَبِّكَ ظَنَّ سُوْءٍ فَإِنَّ اللهَ أَوْلَى بِالجَمِيْلِ
أيُّها المُؤمِنُونَ: صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عن الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نَرْجُو فَلاَ تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ. اللَّهُمَّ وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى المرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالمينَ.