8 جمادي أولI, 1446
لا يبيعنَّ في أسواقنا من لا يعرفُ أحكام الحلال والحرام
إعداد أ.د. حسن أبوغدة
ذكر الفقهاء: أنه لا يجوز للمسلم أن يُقدِم على أمر ما، حتى يعلم حكم الله فيه، فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله تعالى في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في الإجارة، ومن شارك وجب عليه أن يتعلم حكم الله في الشركة، ومن صلَّى وجب عليه أن يتعلم حكم الله في تلك الصلاة، ويدل على هذا قوله تعالى: ( ولا تقفُ ما ليس لك به علم ).
إذا تقرر هذا فلا يجوز للمسلم الشروع في شيء حتى يعلم أحكامه، فيكون طلب العلم عليه واجباً في كل حالة يباشرها، وفي هذا الصدد يفهم قوله عليه السلام: ” طلب العلم فريضة على كل مسلم “.
قال الشافعي رحمه الله: طلب العلم قسمان؛ فرض عين، وفرض كفاية، ففرض العين علمُك بحالتك التي أنت فيها، وفرض الكفاية ما عدا ذلك.
وفي ضوء ما تقدم ذكر العلماء: أنه لا يجوز أن يتولى البيع والشراء ويجلس في السوق لذلك، إلا من علم أحكام البيع والشراء.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتفقد الأسواق ويسأل البائعين، ويضرب بالدرة من يقعد في السوق وهو لا يعرف أحكام البيع وحلاله وحرامه، ويقول: لا يقعد في سوقنا من لا يعرف الربا.
ومرَّ ذات مرة بِالْجَزَّارِينَ فَقَالَ: مَنْ يَذْبَحُ لَكُمْ؟ فَقَالُوا: هَذَا، فَقَالَ: أَنْتَ تَذْبَحُ لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَلَاةِ كَذَا وَكَذَا؟ فَلَمْ يَدْرِ، فَضَرَبَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنَ السُّوقِ وَضَرَبَ الْجَزَّارِينَ وَقَالَ: يَذْبَحُ لَكُمْ مِثْلُ هَذَا، وَاللَّهُ يَقُولُ: ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ).
وذكروا: أن علياً رضي الله عنه قال: من اتَّجر بغير فقه فقد وقع في الربا.
وذكروا: أن المحتسب ـ أشبه بمراقب البلدية والصحة اليوم ـ كان يمشي في الأسواق، ويقف على الدكان ويسأل صاحبه على الأحكام التي تلزمه في سلعته، من أين يدخل عليه الربا فيها؟ وكيف يحترز منها؟ فإن أجابه أبقاه في الدكان، وإن جهل شيئاً من ذلك أقامه من الدكان ويقول: اذهب فتعلم، لا يمكنك أن تقعد في سوق المسلمين تطعم الناس الربا والحرام.
وكان مالك رحمه الله يأمر الأمراء فيجمعون التجار ويعرضونهم عليه، فإذا وجد أحداً منهم لا يفقه أحكام المعاملات، ولا يعرف الحلال من الحرام، أخرجه من السوق وقال له: تعلم أحكام البيع والشراء، ثم اجلس في السوق.
وكان التجار في القديم إذا سافروا استصحبوا معهم فقيهاً يكرمونه ويحترمونه ويرجعون إليه في أمورهم، وكانوا يقولون: لا بد للتاجر من صديق فقيه.