8 جمادي أولI, 1446
شرع الإسلام مجموعة حقوق لكلّ واحد من الزّوجين على الآخر؛ فيجب على الزّوج أن يُؤدّي حقوق زوجته كاملةً، كما أنّه يجب على الزّوجة أن تُؤدّي حقوق زوجها إذا أعطاها حقوقها كاملةً. تنقسم حقوق الزّوجة إلى حقوق ماليّة وحقوق غير ماليّة، وهذه الحقوق هي كالآتي: حقوق الزّوجة الماليّة تنقسم حقوق الزوجة الماليّة إلى حقوق ماليّة غير مُتجدّدة، وحقوق ماليّة مُتجدّدة؛ فالحقوق الماليّة المُتجدّدة هي حقّها في أن يُنفق عليها ويُطعمها بالمعروف، ويُسكنها في بيت يحوي جميع ما تحتاجه في حياتها اليوميّة، وأن يُؤمّن لها اللّباس المناسب الذي يسترها ويكفيها برد الشّتاء وحرّ الصّيف، وأمّا الحقوق غير المُتجدّدة فهي حقّها في المهر الذي يُفرَض لها مرّةً واحدة حين العقد. وتفصيلها فيما يأتي:[١] حقها في المهر والمهر حقٌ للزّوجة على زوجها تقبضه حين العقد أو حسب ما اتّفق عليه بينهما؛ لقوله تعالى: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً).[٢] النّفقة والكسوة والسُكنَى يجب على الزّوج توفير النّفقة من المأكل والمشرب، والملبس، والمسكن، والعلاج ونفقاته للمرأة؛ لقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)،[٣] ولقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ).[٤] حقوق الزّوجة النفسية حسن المعاشرة أول ما يجب على الزّوج أن يُؤدّيه من حقوق معنويّة لزوجته أن يُكرمها، ويحسن مُعاشرتها، وأن يُعاملها بالمعروف، فذلك يُؤدّي إلى التّأليف بين قلبيهما، كما يجب عليه أن يتحمّل ما يصدر منها والصّبر عليها، يقول الله سبحانه: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً)،[٥] ومن مظاهر اكتمال الرّجولة وصدق الايمان أن يكون المرء رقيقاً سَمِحَاً مع أهله، يقول رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائهم).[٦][٧] وإكرام المرأة دليل الشخصيّة المُتكاملة، وإهانتها علامة على الخِسّة واللؤم، وذلك لما ورد عن عمرو بن الأحوص -رضي الله عنه- قال: (شَهِدَ حجَّةَ الوَداعِ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فحَمدَ اللَّهَ وأَثنى علَيهِ، وذَكَّرَ ووعظَ، ثمَّ قالَ: استَوصوا بالنِّساءِ خيرًا فإنَّهنَّ عندَكُم عَوانٍ ليسَ تملِكونَ منهنَّ شيئًا غيرَ ذلِكَ)،[٨] ومن إكرامهنّ مُداعبتهنّ والمرح بحضورهنّ، ومُعاملتهنّ بأفضل ما يُعامل أحداً من الخلق.[٧] إعفاف الزوجة بالجِماع وذلك لمراعاة حقّها ومصلحتها في النّكاح، وحفظاً لها من الفتنة، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه)،[٩] وقوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)،[١٠] ولقوله -عليه الصّلاة والسّلام-: (وفي بُضعِ أحدِكمْ صَدقَةٌ، قالوا يا رسولَ اللَّهِ يأتي أحدُنا شهوتَهُ ويكونُ له فيها أجرٌ؟ قال أرأيتُمْ لو وضعها في حرامٍ أكان يكونُ عليه وِزْرٌ؟ قالوا: نعمْ، قال فكذلِكَ إذا وضعها في الحلالِ يكونُ لهُ أجرٌ).[١١] والمقصود بذلك الجماع.[١] الحصول على المتعة ضمن الشرع أن يعاملها وفق ما أمره الشّارع الحكيم أثناء العلاقة الزوجيّة بينهما، فلا يأمرها بمحرم، ولا يأتي منها ما حُرِّم عليه فعله؛ كأن يأتيها من الدبر، أو أن يجامعها في الحيض، أو ما شابه ذلك.[١٢] مراعاة شؤون الزوجة من حقوق المرأة على زوجها أن يرعاها ويرعى شؤونها، ولا يجعلها تحتاج غيره من النّاس، ويقوم بكل ما ينبغي عليه القيام به لضمان الأمن والاستقرار والحياة الهنيئة لها، فتستقرّ نفسها وتطمئن.[١٣] إصلاح الزوجة من حقوق المرأة على زوجها أن يسعى لإصلاحها إن رأى منها ما يستدعي ذلك، وأن يُعينها على الطّاعة ويأمرها بها ويُشجّعها عليها.[١٤] يتلخّص مما سبق أنّ الإسلام كرّم المرأة وجعل لها العديد من الحقوق الواجبة على زوجها، فلها حقّ المهر، والنفقة، والكسوة، والمسكن، وعلى الزوج أن يُحسن معاملتها، ويُعاشرها بالمعروف، ويعفّها بالجماع، ويحرص على إصلاحها، ويرعى شؤونها، ويوفّر لها الأمان والاستقرار. حقوق الزوج على زوجته كما للزّوجة على زوجها حقوق يجب عليه أن يوفيها ويُؤمّنها لها، فإن عليها كذلك حقوقاً لزوجها إن أوصلها حقوقها تامّةً أو بعضها ممّا يقدر عليه، ومن حقوق الزوج على زوجته ما يأتي:[١٥] الطاعة فقد جعل الله -سبحانه وتعالى- القوامة للرّجال على النّساء، وتتمثّل القوامة بالرّعاية والإنفاق عليهنّ وتيسير أمورهنّ، وحقّهم في طلب ما يحتاجونه منهنّ بالمعروف، وهم بذلك كالحاكم الذي يسعى لتيسير أمور رعيّته والاهتمام بهم، وذلك يرجع لما اختصّ الله به الرّجال من خصائص جسديّة وعقليّة تربو عمّا عند النّساء؛ حيث إنّ الرّجال أشدّ في البنية وأقدر على إعمال العقل وتقديمه على العواطف، كما أنّ الله قد أوجب عليهم واجبات وحقوقاً ماليّةً، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ).[١٦] تمكين الاستمتاع بها ضمن الشّرع مِن حقّ الزّوج على زوجته أن تُمكّنه من نفسها إذا طلبها للفراش، فإذا امتنعت الزّوجة من إجابة زوجها في الجماع ومنعه من حقّه الشرعيّ تكون بذلك قد وقعت في المحذور وارتكبت كبيرةً ومعصيةً، إلا أن يكون لها عذرٌ شرعيّ يُبيح لها الامتناع؛ كأن تكون حائضاً أو نفساء، أو أن يطلب منها الجِماع أثناء صوم الفرض، أو تكون مريضةً أو ما شابه ذلك، وذلك لما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: (قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح).[١٧] حفظه في غيابه مِن حقّ الزّوج على زوجته ألا تأذن لمن يكره الزّوج من دخول بيته إلا بإذنه، فإن من حقوق الأزواج على زوجاتهم ألا يُدخِلن بيوتهم أحداً يكرهونه إذا طلبوا منهنّ ذلك وعلمن بكرههم لذلك الشّخص حتى إن كان أقرب النّاس إليها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (لا يحلّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه)،[١٨] يتلخّص مما سبق أنّه كما للمرأة حقوقا على زوجها؛ فعليها واجبات تجاهه كذلك، فمن حقوق الزوج على زوجته طاعته، وتمكين نفسها لزوجها ضمن الشرع حتى يعفّ نفسه عن الحرام، بالإضافة إلى حفظه في غيابه، وذلك بعدم إدخال من يكره إلى بيته عند غيابه. موقف السنة النبوية من حقوق المرأة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (دخلت هندُ بنتُ عتبةَ، امرأةُ أبي سفيانَ، على رسولِ اللهِ عليه الصّلاة والسّلام، فقالت: يا رسولَ اللهِ! إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ شحيحٌ لا يُعطيني من النفقةِ ما يَكفيني ويَكفي بَنِيَّ، إلا ما أخذتُ من مالِه بغيرِ علمِه فهل عليَّ في ذلك من جناحٍ؟ فقال رسولُ اللهِ عليه الصّلاة والسّلام: خذي من مالِه بالمعروفِ، ما يكفيكِ ويكفي بَنِيكِ).[١٩] ويُثبت هذا الحديث أنّ للزّوجة على زوجها مجموعة من الحقوق التي يجب على الزوج أن يوفّيها إيّاها؛ فالنّفقة مثلاً إحدى حقوق الزّوجة على زوجها، فإن قتَّر عليها أو لم ينفق عليها بحسب حاجتها جاز لها أن تأخذ من ماله لتسدّ النّقص الحاصل بحسب العُرف، ويجب عليه أن يُعطيها حقوقها ويأخذ حقوقه منها بحسن التّعامل وطيب المَعشر. وحقوق المرأة الزوجية ثابتة بأحكام شرعية، توعد الله من اعتدى عليها، أو قصر في أدائها؛[٢٠] منها: إن الله تعالى أوجب على الرجال المهر والنفقة، وأمرهم بالإحسان إلى النساء، ووصاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بهن خيرا. إن الإسلام حرَّم الظهار والإيلاء وكل ما كان يفعله الرجال في الجاهلية لإضرار المرأة. إن الله تعالى حرَّم الله تعالى على الولي منع موليته من الزواج لإضرارها أو لعنادها أو لمصلحة شخصية له. إن الإسلام أباح للمرأة فسخ عقد الزواج إذا زُوِّجت بغير رضاها. إن الشريعة أباحت للمرأة الخلع إذا كانت كارهة لزوجها، ولا تستطيع العيش معه. إن الإسلام جعل للزوجة ذمة مالية خاصة بها. وهذه بعض حقوق المرأة في الإسلام، وقد فاقت معاملة الإسلام للمرأة الأديان السماوية والمناهج الوضعية، ولا ينكر هذا إلا حاقد أو جاهل. يتّضح مما سبق أنّ الإسلام كرّم المرأة، وحفظ لها حقوقها، وحذّر من ظلمها والتعدي على حقوقها، وأمر بالإحسان لها، والنفقة عليها، وأعطاها حقّ فسخ عقد الزواج أو الخلع إذا دعت الحاجة لذلك، وحرّم العديد من الأمور التي كانت منتشرة في الجاهلية وفيها ظلم لها.