4 جمادي أول, 1446
وقف المسلمين الأموال على مستشفيات العلاج النفسي والبدني
إعداد أ. د. حسن أبوغدة
لا يخفى أن العلاج النفسي لا يقل أهمية عن العلاج البدني؛ ومن هذا المنطلق اهتم الواقفون المسلمون بإنشاء المستشفيات التي قامت برعاية ذوي النفوس المريضة، عن طريق ترتيل القرآن الكريم ترتيلاً هادئاً، تطمئن به القلوب، وتهدأ معه النفوس….
يضاف إلى هذا: العلاجُ بالحكايات والقصص المسلية، وبالموسيقى الهادئة المناسبة لكل مريض، وباصطحاب المريض ليتجول في المساحات الخضراء وبين والزهور …إلخ.
ومما يذكر هنا: أنه كان في المغرب مستشفى وقفي للأمراض النفسية، والعقلية، والعصبية، يعالِج هذه الأمراض، وقد خُصصت له أوقاف تجعله يقوم بمهامه خير قيام.
ومن أعجب ما ذكر في هذا الصدد: أن بعض المحسنين الواقفين على المستشفيات كان يخصِّص رواتب لكل موظفَيْن يتصنَّعان الوقوف على باب غرفة المريض، يتحاوران ـ بدون أن يراهم المريض ـ في أن حال هذا المريض تتجه نحو العافية، وليس هناك ما يشغل البال عنه، وأن الطبيب سيخرجه لاحقاً؛ لأنه يتماثل للشفاء بطريقة سريعة ومُطَمْئِنَة، ويتفوهان بنحو هذا الحديث، الذي يسمعه المريض ويزيد من نشاطه، وينهض به نفسياً ومعنوياً، بطريقة قد تكون أنجعَ وأسرعَ من الأدوية.
يضاف إلى ما سبق الكثير من المستشفيات ودور الرعاية الصحية في العالم الإسلامي ومن ذلك: البيمارستان المستنصري بمكة المكرمة، وبيمارستان المدينة المنورة، والبيمارستان الأرغوني، والبيمارستان السليمي، والبيمارستان القيمري، وبيمارستان أرغون الكاملي بحلب، وبيمارستان الري، وبيمارستان تونس، وبيمارستان مراكش الذي وقفه الملك المنصور في دولة الموحدين بالمغرب، وبيمارستان غرناطة، وغيرها من البيمارستانات التي انتشرت في العالم الإسلامي، واعتمدت في تمويلها على مال الوقف الإسلامي بالدرجة الأولى.
ويحسن هنا أن أنقل ما كتبته المستشرقة الألمانية ” هونكه ” في كتابها: ” شمس العرب تطلع على الغرب ” عن مريض كــان يعالَـجُ في أحـــد مستشفيات قرطبـــة ـ بإسبانيا اليوم ـ حيث كتب رسالة إلى أبيه يصف له ما وجده في المستشفى، فيقول:
” لقد سجلوا اسمي هناك بعد المعاينة، وعرضوني على رئيس الأطباء، ثم حملني ممرض إلى قسم الرجال، فحمّني حمامًا ساخنًا، وألبسني ثيابًا نظيفة من المستشفى، وحينما تصل ترى إلى يسارك مكتبة ضخمة وقاعة كبيرة حيث يحاضر الرئيس في الطلاب، وإذا ما نظرت وراءك يقع نظرك على ممر يؤدي إلى قسم النساء، ولذلك عليك أن تظل سائرًا نحو اليمين، فتمر بالقسم الداخلي والقسم الخارجي مروراً عابراً، فإذا سمعت موسيقى أو غناء ينبعثان من قاعة ما، فادخلها وانظر بداخلها، فلربما كنت أنا هناك في قاعة النُقَّه ـ جمع ناقه ـ حيث تشنف آذاننا الموسيقى الجميلة ونمضي الوقت بالمطالعة المفيدة.. واليوم صباحًا جاء كالعادة رئيس الأطباء مع رهط كبير من معاونيه، ولما فحصني أملى على طبيب القسم شيئًا لم أفهمه، وبعد ذهابه أوضح لي الطبيب أنه بإمكاني النهوض صباحًا، وبوسعي الخروج قريبًا من المستشفى صحيح الجسم معافى، وإني والله لكاره هذا الأمر، فكل شيء جميل للغاية ونظيف جدًا، الأسِرَّة وثيرة، وأغطيتها من الدمَقْس الأبيض، والملاءة بغاية النعومة والبياض كالحرير، وفي كل غرفة من غرف المستشفى تجد الماء جاريًا فيها على أشهى ما يكون، وفي الليالي القارسة تُدفَّأ كل الغرف …”