22 ربيع أولI, 1447
” ألا بذكر الله تطمئن القلوب ”
الحمد لله الذي طمأن قلوب الصالحين بذكره، وأعان أولياءَه على حمده وشكره، أغدق عليهم نعمه، وشرّفهم بالسجود له، وهو الغني عنهم وعن الخلق أجمعين، فالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم واقتفى ،،
قال سبحانه في كتابه المجيد: (( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) قال السعدي رحمه الله في تفسيره: ” أي: يزول قلقها واضطرابها، وتحضرها أفراحها ولذاتها، فلا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى، من محبة خالقها، والأُنس به ومعرفته، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له يكون ذكرها له، هذا على القول بأن ذكر الله: هو ذكر العبد لربه، من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك، وقيل: إن المراد بذكر الله كتابه الذي أنزله ذكرى للمؤمنين، فعلى هذا معنى طمأنينة القلوب بذكر الله: أنها حين تعرف معاني القرآن وأحكامه تطمئن لها، فهي تدل على الحق المبين، المؤيد بالأدلة والبراهين، وبذلك تطمئن القلوب، فإنها لا تطمئن إلا بالعلم واليقين، وذلك في كتاب الله مضمون على أتم الوجوه وأكملها، وأما ما سواه من الكتب التي لا ترجع إليه، فلا تطمئن بها، بل لا تزال قلقة من تعارض الأدلة وتضاد الأحكام، وصدق الله: (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا )). ” انتهى كلامه رحمه الله.
وفي أُنس الذاكر بربه قال مالك بن دينار: ” ما تلذّذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل، فليس شيء من الأعمال أقل مُؤنةً، ولا أعظم لذةً، ولا أكثر فرحةً وابتهاجاً للقلب من ذكر الله “.
ويكفي والله في فضل الذكر وشرفه أن الذاكر يذكره الله في الملأ الأعلى، وقد جاء في الحديث القدسي عند البخاري: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله جل جلاله: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منه )، وقد قال ربي في كتابه العزيز: (( فاذكروني أذكركم )) قال السيوطي هنا: ” توقف وتأمل في هذه الآية، فوالله لو تيقن منها قلبك ما جفّت شفتاك “، صدق والله، فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
ولنعلم أيها الأفاضل ،، أن الإكثار من ذكر الله مرتبة عالية لا ينالها ويواظب عليها إلا من وفقه الله وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وقد أمر الله سبحانه المؤمنين بالإكثار من ذكره فقال جل في علاه: (( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ))، روى الطبري هنا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في هذه الآيات: ” إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله تعالى لم يجعل له حدا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على تركه، فقال: (( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم )) بالليل والنهار، وفي البر والبحر، وفي السفر والحضر، وفي الغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال، وقال عز وجل: (( وسبحوه بكرة وأصيلا )) فإذا فعلتم ذلك صلى الله عليكم وملائكته “.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لئن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ). والشمس تطلع على الأرض بما فيها من الكنوز والأراضي والخيرات، بل تطلع على الكواكب وعلى عوالم أخرى لا يعلمها إلا الله، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم وأهلينا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.
__ قبل الختام:
قال أهل العلم: ” لذكر الله عز وجل أثرٌ كبير في انشراح الصدر، ورباطة الجأش، وذهاب الرهبة، وتيسير الأمر، وحل عقدة اللسان والقلم “.
وقالوا: ” التوفيق ليس بيتا تسكنه ، ولا ثوبًا ترتديه ، التّوفيق غيث إنْ أذنَ الله بهطوله على حياتك ما شقيت أبداً ، فاستمطره بالصلاة والدّعاء والاستعانة بالله في كل الأحوال والإنابة إليه، وحسن الظن به جل في علاه، وحتى تتيقن أن المسألة مسألة ” توفيق ” ، انظر إلى ” الذِّكر ” من أسهلِ الطاعات ، لكن لا يوفق له إلا القليل “.
__ ختاماً:
قال أحد السلف: ” علامة حب الله كثرة ذكره، فإنك لن تحب شيئا إلا أكثرت ذكره “.
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واملأ قوبنا حباً لك وحياءً منك وإقبالاً عليك، وأعنا على ما يرضيك ويقربنا إليك ،،