27 رمضان, 1446

التحذير من الظلم في الميراث
3/7/1446هـ
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي قَسَّمَ الميْراثَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ أَعْدَلُ مَنْ قَسَّمَ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي عِبادَتِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَصْدَقُ الْبَرِيَّةِ لِسانًا، وَأَعْلاها مَقامًا، وَأَعْظَمُها شَأْنًا؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:71،70]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
أَمَّا بَعْدُ يا عِبَادَ اللهِ: كانَ أَهْلُ الجاهِلِيَّةِ قَبْلَ الإسْلامِ يَحْرِمونَ الصِّغارَ وَالنِّساءَ مِنَ الْبَناتِ وَالزَّوْجاتِ وَالْأُمَّهاتِ وَالْأَخَواتِ مِنَ الميْراثِ، وَيَجْعَلُونَ مالَ الميِّتِ حَقًّا لِلْكَبِيرِ مِنَ الْأَبْناءِ، أَوْ يَـنْتَـقِـلُ إِلَى أَخِـيهِ أَوْ عَــمِّـهِ، بِحُـجَّةِ أَنَّ الصِّغارَ وَالنِّساءَ لا يَحْمُونَ الدِّيارَ، وَلَا يَأْخُذُونَ بِالثَّأْرِ، وَلا يَجْلِبُونَ المغانِمَ وَلا يُقاتِلُونَ الأَعْداءَ، فَأَبْطَلَ اللهُ تَعالَى ذَلِكَ كُلَّهُ، وَفَصَّلَ أَحْكامَ الميراثِ، وَبَيَّنَها فِي ثَلاثِ آياتٍ مُحْكَماتٍ مِنْ كِتابِهِ الْكَرِيمِ، وَفَرَضَ لِلنِّساءِ وَالصِّغارِ نَصِيبًا، وَجَعَلَهُ حَقًّا مَفْرُوضًا، قَلَّتِ التِّرْكَةُ أَوْ كَثُرَتْ، قالَ تَعالَى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء:7]. فَاتَّقُوْا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَالْتَزِمُوا حُدُودَ ما شَرَعَ لَكُمْ، وَنَفِّذُوا وَصَيَّتَهُ سُبْحانَهُ فِي كِتابِهِ؛ فَعِلْمُ الْفَرائِضِ مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ خَطَرًا، وَأَرْفَعِها قَدْرًا، وَأَعْظَمِها أَجْرًا، وَأَعَمِّها نَفْعًا؛ وَأَقَلِّها خِلافًا، وَلِأَهَمِّيَّتِهِ وَحَاجَةِ جَمِيعِ النَّاسِ إِلَيْهِ، تَوَلَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيانَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمَّا كانَتِ الْأَمْوالُ مَحَطَّ أَطْماعِ النَّاسِ وَرَغَباتِهِمْ، وَمِنَ الْوَرَثَةِ رِجالٌ وَنِساءٌ، وَكِبارٌ وَصِغارٌ، وَأَقْوِياءُ وَضُعَفاءُ، وَلِئَلَّا يُفْتَحَ بابٌ لِلْآراءِ وَالْأَهْواءِ؛ فَيَقَعُ ظُلْمٌ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ تَوَلَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ تَقْسِيمَ المواريثِ بِنَفْسِهِ سُبْحانَهُ، وَفَصَّلَها فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتابِهِ الْكَرِيمِ، عَلَى مُقْتَضَى الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ وَمَصْلَحَةِ عِبادِهِ؛ قالَ تَعالَى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 1]. وَخُتِمَتِ الْآيَتَانِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء:11].، وَقَوْلِهِ تَعالَى: ﴿وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ [النساء:12].
أَيُّهَا الـمُسْلِمُوْنَ: مِنْ لُطْفِ اللهِ بِعِبادِهِ أَنْ حَذَّرَهُمْ مِنْ تَعَدِّي حُدُودِهِ؛ قالَ تَعَالَى: ﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ۝ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدًا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ [النساء: 14،13]. فَيَا لَهُ مِنْ إِثْمٍ عَظِيمٍ يَقْتَرِفُهُ مَنِ احْتالَ لِإِسْقاطِ الْفَرائِضِ وَالمقادِيرِ، أَوْ تَغْيِيرِ الْأَنْصِباءِ والْأَسْهُمِ، أَوْ حَرَمَ وَارِثًا، أَوْ حَبَسَ مالَ التَّرِكَةِ، فَأَخْفَى أُصُولَها أَوْ أَعْيانَها، أَوْ غَيَّبَ إِثْباتَها وَإِسْنادَها، أَوِ اسْتَأْثَرَ بِالتَّصَرُّفِ فِيها، وَماطَلَ فِي قِسْمَتِها، أَوْ أَلْجَأَ الْوارِثَ إِلَى التَّنازُلِ عَنْ سَهْمِهِ، والرِّضا بِجُزْءٍ مِنْ قَسْمِهِ، فَقَدْ تَعَدَّى حُكْمَ اللهِ وَفَرِيضَتَهُ وَقِسْمَتَهُ وَحُدُودَهُ، وَغَيْرُ راضٍ بِتَقْسِيمِ اللهِ لِلتَّرِكَةِ، وَقَدْ تَوَعَّدَهُ اللهُ بِعَذابٍ شَدِيدٍ، وَهُوَ عاصٍ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَصِيَّتِهِ؛ قالَ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» أُحَرِّجُ: أَيْ: أُضَيِّقُ، وَأُشَدِّدُ، وَأُحَذِّرُ [أخرجه أحمد، وابن ماجه، والنسائي، وصححه الألباني]. وَالْجَائِرُ فِي تَقْسِيمِ الميْراثِ يَتَسَبَّبُ فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَقَدْ حَذَّرَنا نَبِيُّنا صلى الله عليه وسلم: «مَا مِن ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجَّلَ لِصاحِبِهِ الْعُقُوبَةُ مَعَ ما يُدَّخَرُ لَهُ، مِنَ الْبَغْي وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» [صحيح الأدب المفرد]، وَهُوَ مُرْتَكِبٌ لِكَبِيرَةٍ، قالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ» [أخرجه مسلم: 2556]. وَآكِلُ الميْراثِ ظُلْمًا مُفْلِسٌ يَوْمَ الْقِيامَةِ؛ قالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتيْ يَومَ الْقِيامَةِ بِصَلاةٍ، وَصِيامٍ، وزَكاةٍ، وَيَأْتِيْ قَدْ شَتَمَ هَذا، وَقَذَفَ هَذا، وَأَكَلَ مالَ هَذا، وَسَفَكَ دَمَ هَذا، وَضَرَبَ هَذا، فَيُعْطَى هَذا مِنْ حَسَناتِهِ، وَهَذا مِن حَسَناتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى ما عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» [أخرجه مسلم:2581]. وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَكْلَ مالِ الْيَتامَى (‌حُوبًا ‌كَبِيرًا) أَيْ: إِثْمًا عَظِيمًا؛ وَجَعَلَ أَكْلَهُ أَكْلَ النَّارِ؛ قالَ تَعالَى: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ ‌حُوبًا ‌كَبِيرًا﴾ [النساء: 2]، وَقالَ سُبْحانَهُ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا ‌يَأۡكُلُونَ ‌فِي ‌بُطُونِهِمۡ نَارًاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: 10].

وَلْيَعْلَمْ آكِلُ مِيراثِ الضَّعِيفِ، أَنَّهُ مُرْتَكِبٌ لِكَبِيرَةٍ مِنَ الكَبائِرِ؛ قالَ صلى الله عليه وسلم: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: «الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ» [أخرجه البخاري واللفظ له: 2766، ومسلم:89]. والَّذِي يَحْتالُ لِأَكْلِ المالِ حَرامًا سَيُفْضَحُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَسَيُطَوَّقُ بِكُلِّ شِبْرٍ اغْتَصَبَهُ بِشِبْرٍ مِنْ سَبْعِ أَراضِينَ؛ قالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأرْضِ ظُلْمًا، فإنَّه يُطَوَّقُهُ يَومَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» [أخرجه البخاري: 3198، ومسلم:139، 1610].
عِبادَ اللهِ: قَدْ حَرَّمَ اللهُ الظُّلْمَ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، فَكُلُّ صُوَرِ الظُّلْمِ فِي الميراثِ حَرامٌ؛ فَبَعْضُ الْآباءِ يَهَبُ مالًا أَوْ عَقارًا لِبَعْضِ أَبْنائِهِ دُوْنَ بَعْضٍ، قالَ صلى الله عليه وسلم: «اِعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنائِكُمْ، اِعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنائِكُمْ، اِعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنائِكُمْ» [أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني]، وَبَعْضُ الْوَرَثَةِ يَمْنَعُ حَقَّ أُخْتَهِ مِنَ الميراثِ، أَوْ يُعْطِيْها الْقَلِيلَ، وَبَعْضُهُمْ يَحْرِمُ أَبْناءَ الْمُتَوَفَّى الصِّغارَ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُؤَخِّرُ وَيُماطِلُ فِي تَوْزِيعِ التَّرِكَةِ حَتَّى يَكْتَمِلَ لَهُ ما طَمِعَ فِيهِ، فَيَأْكُلُ التَّرِكَةَ أَوْ جُزْءًا مِنْها، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِئُ بَعْضَ الْوَرَثَةِ إِلَى التَّنازُلِ عَنْ حَقِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، يَحْدُثُ هَذا خاصَّةً مَعَ الضَّعِيفَيْنِ المرْأَةِ وَالطِّفْلِ.
اِحْذَرْ أَخِي المسْلِمَ أَنْ تَبِيعَ دِينَكَ بِقِطْعَةِ أَرْضٍ، أَوْ بِمالٍ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، فَإِنَّ هَذا مِنَ الْبَغْيِ، وَتَعَبَّدْ رَبَّكَ بِإِقامَةِ شَرْعِهِ فِي الميْراثِ، وَتَمَسَّكْ بِالصَّوابِ، وَابْتَعِدْ عَنْ هَوَى نَفْسِكَ، وَذَكِّرْ إِخْوانَكَ المسْلِمِينَ بِذَلِكَ، وَحَذِّرْهُمْ تَعَدِّيَ حُدُودِ اللهِ، وَتَعاوَنْ مَعَ غَيْرِكَ عَلَى إِحْقاقِ الْحَقِّ فِي الميراثِ، قالَ تَعالَى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ ‌وَلَا ‌تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِﵞ [المائدة:2].
اللَّهُمَّ أَرِنا الْحَقَّ حَقًّا، وَارْزُقْنا اتِّباعَهُ، وَأَرِنا الْباطِلَ بَاطِلًا، وَارْزُقْنا اجْتِنابَهُ، وَاكْفِنا بِحَلالِكَ عَنْ حَرامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
قَدْ قُلتُ مَا سَمِعْتُمْ.. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلىَ رِزْقِهِ وَفَضْلِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
أَمَّا بَعْدُ.. عَبَادَ اللهِ، إِنَّ تَوْزِيعَ التَّرِكَةِ وَفْقَ شَرْعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَجْمَعُ الْأُسْرَةَ، وَيُقَوِّيْ الْعَلاقاتِ، وَيُوصِلُ وَشائِجَ الرَّحِمِ، وَيُؤَلِّفُ بَيْنَ الْقُلُوبِ، وَإِنَّ الظُّلْمَ فِي الميراثِ، يُشَتِّتُ الْأُسْرَةَ، وَيُوهِنُ الْعَلاقاتِ، وَيَقْطَعُ الأرْحامَ، وَيُفَرِّقُ الْقُلُوبَ، وَمَهْما اخْتَلَفَتْ أَنْواعُ الظُّلْمِ، وَتَعَدَّدَتْ أَشْكالُهُ، وَالْتَوَتْ حِيَلُهُ وَطَرائِقُهُ، فَاللهِ عَلِيمٌ بِهِ، مُحاسِبٌ صاحِبَهُ؛ فَأُعْطُوا كُلَّ ذِيْ حَقٍّ حَقَّهُ، وَاحْذَرُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَوْمَ الْقِيامَةِ.
عِبَادَ اللهِ: صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَرَسُوْلِ رَبِّ العَالَمِيْنَ؛ فَقَدْ أُمِرْتُمْ بِذَلِكَ فِي الكِتَابِ الـمُبِيْنِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عن الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نَرْجُو فَلاَ تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ. اللَّهُمَّ وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا، اللَّهُمَّ أَغِثْنا، اللَّهُمَّ أَغِثْنا، اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا ، نافِعًا غَيْرَ ضارٍّ، عاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ.
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى المرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالمينَ.