22 ربيع أولI, 1447
الْحِرْصُ وَالطَّمَعُ 18/ 4/1447هـ
﴿الخُطْبَةُ الأُوْلَى﴾
الحمدُ للهِ الَّذي قَسَّمَ الأرزاقَ بحكمتِه، وأغْنَى مَن شَاء بفَضْلِه ورحمتِه، وأَفقَرَ مَن شَاءَ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الخَلْقُ وَالْأَمْرُ، يُعْطِي مَنْ يَشاءُ وَيَمْنَعُ مَنْ يَشاءُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]. فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وراقِبوه في السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الطَّمَعَ وَالْحِرْصَ وَالْجَشَعَ مِنْ أَمْراضِ الْقُلُوبِ الَّتي تُهْلِكُ صاحِبَها وَتُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْياهُ، أَمَّا بَعْدُ ..
أيُّها المؤمنون: ما تَرَكَ نَبِيُّنا صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْرٍ إِلَّا وَدَلَّنا عَلَيْهِ، وَمَا تَرَكَ مِنْ شَرٍّ إِلَّا وَحَذَّرَنا مِنْهُ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ المؤمنِينَ بِأَنَّهُمْ يَطْمَعُونَ فِي مَغْفِرَةِ اللهِ، قالَ تَعالَى: ﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 51]، وَوَصَفَهُمْ سُبْحانَهُ بِأَنَّهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَفِي عِدادِ عِبادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، قالَ تَعالَى: ﴿وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ﴾ [المائدة: 84]، فَهَذا الطَّمَعُ المحْمُودُ، الطَّمَعُ فِي رِضْوانِ اللهِ عز وجل، وَذَلِكَ بِالْأَعْمالِ الصَّالِحَةِ، وَطَلَبِ الْعِلْمِ لِوَجْهِ اللهِ سُبْحانَهُ، وَقَضاءِ حَوائِجِ النَّاسِ وَهَذَا الطَّمَعُ يَظْهَرُ فِي حَياةِ المؤْمِنِ بِدُعائِهِ لِمَوْلاهُ، وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ، وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِهِ، أَمَّا الطَّمَعُ الَّذِي حَذَّرَنا مِنْهُ رَبُّنا فِي قَوْلِهِ تَعالَى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾[النجم:29]، وَحَذَّرَنا مِنْهُ نَبِيُّنا فَقالَ صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكم والطَّمَعَ، فإنَّه الفقرُ الحاضرُ» [رواه الحاكم في المستدرك: ٤/٣٢٦، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه]، وَقالَ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ ذَهَبٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وادِيانِ، وَلَنْ يَمْلَأَ فاهُ إِلَّا التُّرابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن تابَ» [متفقٌ عليه]. فَهَذا المرَضُ الْقَلْبِيُّ بِحُبِّ الدُّنْيا وَالِاسْتِكْثارِ مِنْها، وَقَدْ جُبِلَ ابْنُ آدَمَ عَلَى حُبِّ الدُّنْيا، لَكِنَّ الْحِرْصَ وَالطَّمَعَ فِيها مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لا يُشبِعُ، ولا يَقِفُ عندَ حدٍّ، ويجرُّ العبدَ إلى الظُّلمِ والرِّبا وأكلِ المالِ الحرام، ويُورِثُهُ ذُلًّا في الدُّنيا، وعذابًا في الآخِرَةِ، وَلَيْسَ المطْلُوبُ أَنْ يَحْرِمَ المرْءُ نَفْسَهُ مِنَ الدُّنْيا، فَقَدْ قالَ سُبْحانَهُ وَتَعالَى: ﴿وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾ [القصص:77].
أيُّها المؤمنونَ: إِنَّ المسْلِمَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُطْمَعُ فِيهِ إِلَّا وَبِيَدِ اللهِ وَحْدَهُ خَزائِنُهُ، فَمَنْ قَنِعَ بِما قَسَمَ اللهُ لَهُ عاشَ غَنِيًّا، قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِما آتاهُ» [رواه مسلم:1054]. فَالْقَناعَةُ راحَةُ الْقَلْبِ، وَالطَّمَعُ عَذابُ النَّفْسِ؛ كَمْ مِنْ أُناسٍ أَغْناهُمُ اللهُ ثُمَّ لَمْ يَشْبَعُوا، فَساءَتْ آخِرَتُهُمْ، وَكَمْ مِنْ فُقَراءَ قَنُوعِينَ عاشُوا سُعَداءَ فِي دُنْياهُمْ وَرَفَعَ اللهُ قَدْرَهُمْ فِي آخِرَتِهِمْ.
النَّفْسُ تَجْزَعُ أَنْ تَكُونَ فَقِيرَةً
وَغِنَى النُّفُوسِ هُوَ الْكَفَافُ وَإِنْ أَبَتْ وَالْفَقْرُ خَيْرٌ مِنْ غِنًى يُطْغِيهَا
فَجَمِيعُ مَا فِي الْأَرْضِ لَا يَكْفِيهَا
إِنَّ مِنْ مَظاهِرِ الْجَشَعِ وَالطَّمَعِ الَّتي ابتُلِيَ بِها بَعْضُ النَّاسِ المبالَغَةَ وَالْجَشَعَ فِي رَفْعِ الْإِيجاراتِ وَالمكاسِبِ الْعَقارِيَّةِ، وَرَفْعِ الْأَسْعارِ فِي الْبُيُوعِ، طَلَبًا لِلرِّبْحِ الزَّائِدِ، دُونَ مُراعاةٍ لِأَحْوالِ الْأُسَرِ وَالمحْتاجِينَ.
وَهَذَا الطَّمَعُ وَالْجَشَعُ مَذْمُومٌ شَرْعًا، وَقَدْ حَذَّرَ الإسْلامُ مِنْهُ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ضارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ، وَمَنْ شاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ» [أخرجه ابن ماجه: 2342، وأبو داود: 3635]، فَالْقَناعَةُ تُوْرِثُ الْغِنَى وَالرِّضا، وَالطَّمَعُ يُوْرِثُ الْهَمَّ وَالنَّصَبَ، إنَّ الجَشَعَ والطَّمَعَ يُطفِئانِ نُورَ الْإِيمانِ فِي الْقَلْبِ، وَيَجْعَلانِ المرْءَ عَبْدًا لِمَالِهِ وَشَهْوَتِهِ، كَمَا قالَ صلى الله عليه وسلم: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينارِ، وَتَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ…» [رواه البخاري]؛ فَمَنْ كانَ عَبْدًا لِمَالِهِ هَلَكَ، وَمَنْ كانَ عَبْدًا للهِ نَجا.
عِبادَ اللهِ: إِنَّ لِلطَّمَعِ آثارًا مُدَمِّرَةً لِلْفَرْدِ وَالمجْتَمَعِ، فَإِنْ أَصابَ الطَّمَعُ فَرْدًا أَصابَهُ الشَّقاءُ فِي الدُّنْيا، وَفَقَدَ الْوَرَعَ فِي دِينِهِ، وَقَلَّ خُلُقُهُ وَمُرُوءَتُهُ، وَتَشَوَّشَ عَقْلُهُ، وَعاشَ مُسْتَشْعِرًا الْفَقَرَ دائِمًا، لاهِثًا وَراءَ إِشْباعِ مَطامِعِهِ الَّتِي لا تَنْتَهِي، وَيَعْتَرِيهِ الذُّلُّ عِنْدَ السَّعْي، يُحَرِّكُهُ طَمَعُهُ وَيَتَلاعَبُ بِهِ، حَتَّى يُصْبِحَ مَحَلًّا لِازْدِراءِ النَّاسِ وَاحْتِقارِهِمْ، وَيُحْرَمُ نِعْمَةَ الْعِلْمِ، وَقَدْ تُحْبَطُ أَعْمالُهُ الْحَسَنَةُ، أَمَّا عَلَى مُسْتَوى المجْتَمَعِ: فَبِالطَّمَعِ تَنْتَشِرُ الدَّعاوَى وَالْخُصُوماتُ وَالْخِلافاتُ، وَتُفْقَدُ الْقِيَمُ وَالْأَخْلاقُ وَالْأَعْرافُ الْخَيِّرَةُ، بَعْدَ أَنْ كانَ المجْتَمَعُ يَقُومُ عَلَى أَساسِ الْبَذْلِ وَالْإِيثارِ وَالتَّضْحِيَةِ، تُمَزِّقُهُ صِراعاتُ الطَّمَعِ؛ فَيَتَأَخَّرُ فِي مُخْتَلَفِ الميادِينِ الْحَياتِيَّةِ المهِمَّةِ، وَيَسُودُهُ الظُّلْمُ، وَالتَّفَكُّكُ.
عِبادَ اللهِ: مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الناسَ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ، وَإِنَّ مِمَّا يُذْكَرُ فَيُشْكَرُ فِي هَذا الصَّدَدِ: الْقَراراتِ وَالمعانِيَ السَّامِيَةَ لِلْأَنْظِمَةِ الَّتِي صَدَرَتْ بِتَوْجِيهاتِ صاحِبِ السُّمُوِّ الملَكِيّ وَلِيِّ الْعَهْدِ رَئِيسِ مَجْلِسِ الوُزَراءِ الْأَمِيرِ مُحمَّدِ بْنِ سَلْمانَ بْنِ عَبْدِالعَزِيزِ –حَفِظَهُ اللهُ–، لِتَحْقِيقِ التَّوَازُنِ فِي الْقِطَاعِ الْعَقَارِيِّ، وَالَّتِي تَهْدِفُ إِلَى تَسْهِيلِ تَأْمِينِ السَّكَنِ لِلْمُوَاطِنِينَ وَالمقِيمِينَ وَالتَّيسِيرِ عَلَيهِمْ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الاِسْتِقْرَارِ النَّفْسِيِّ وَالاِجْتِمَاعِيِّ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأُسَرِ، اسْتِشْهَادًا بِقَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ»[أخرجه مسلم:1828]. فَجَزَى اللهُ وُلَاةَ أَمْرِنَا خَيرَ الجَزَاءِ، وَنَفَعَ بِهِمُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ.
وَقَدْ عَرِفَ السَّلَفُ الصَّالِحُ خُطُورَةَ الطَّمَعِ فَحَذَّرُوا الْأُمَّةَ مِنْها، قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه: ما شَيْءٌ أَذْهَبَ لِعُقُولِ الرِّجالِ مِنَ الطَّمَعِ، وَقالَ: فِي الطَّمَعِ فَقْرٌ، وَقالَ ابْنُ المبارَكِ -رَحِمَهُ اللهُ: ما الذُّلُّ إِلَّا فِي الطَّمَعِ، قالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ: لا يَجْتَمِعُ الْإِخْلاصُ فِي الْقَلْبِ وَمَحَبَّةُ المدْحِ وَالثَّناءِ، وَالطَّمَعُ فِيما عِنْدَ الناسِ، إِلَّا كَمَا يَجْتَمِعُ الماءُ وَالنارُ، وَالضَّبُّ وَالْحُوتُ، وَقالَ إِبْراهِيمُ ابْنُ أَدْهَمَ -رَحِمَهُ اللهُ: كَثْرَةُ الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ تُورِثُ كَثْرَةَ الْغَمِّ وَالْجَزَعِ، وَقالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ -رَحِمَهُ اللهُ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ عُصِمَ مِنَ الْهَوَى وَالْغَضَبِ وَالطَّمَعِ.
أَلَا فَاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وأَخْلِصُوا قُلُوبَكُمْ للهِ، وَازْرَعُوا فِي نُفُوسِكُمُ الرِّضا بِما قَسَمَ اللهُ، وَأَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ: اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِما رَزَقْتَنِي، وَبارِكْ لِي فِيهِ.
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾
الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَظِيمِ إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَزِيْدِ فَضْلِهِ وَامْتِنَانِهِ، والصَّلَاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّهِ الهَادِيْ إِلَى رِضْوَانِهِ، أَمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوْا اللهَ عِبادَ اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ اسْتَرْشَدَهُ هَدَاهُ، وَإِيَّاكُمْ وَالطَّمَعَ فِي الدُّنْيا.
أيُّها المسلمون: الدِّينُ النَّصِيحَةُ، فَعَلَى إِخْوانِنا التُّجَّارِ وَمُلَّاكِ الْعَقاراتِ مُراقَبَةُ اللهِ تَعالَى، وَالْقَناعَةُ بِالْكَسْبِ المعْقُولِ، وَمُراعاةُ أَحْوالِ المسْتَأْجِرِينَ بِالتَّيْسِيرِ عَلَيهِمْ، وَاحْتِسابُ الْأَجْرِ فِي التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ، وَالتَّحَلِّي بِالسَّماحَةِ فِي التَّعامُلِ مَعَهُمْ، عَمَلًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا باعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»[أخرجه البخاري:2076]، فَالْعِلاقاتُ بَيْنَ المسْلِمِينَ قائِمَةٌ عَلَى الْأُخُوَّةِ وَالمحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ، مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ تَعالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات:10]، وَقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»[أخرجه أبو داود: 4941، والترمذي:1924]. وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهِ خَيْرًا مِنْهُ، وَعَلَى المسْلِمِ أَنْ يَلْجَأَ إِلَى رَبِّهِ، وَيَسْتَعِيذَ بِهِ، وَيَدْعُوهُ أَنْ يُغْنِيهِ، وَأَنْ يَقْتَدِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَعاشِهِ، وَيَقْرَأَ فِي سِيَرِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَيَطْلُبَ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ، فَالْجَهْلُ بِالْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَهَمِّ الْأَسْبابِ الْمُوْقِعَةِ فِي هَذا الدَّاءِ الْعُضالِ، وَيَعَوِّدَ نَفْسَهُ الْقَناعَةَ وَالتَّرَفُّعَ عَنِ الْأَطْماعِ الدَّنِيَّةِ، وَيَسْتَعْلِيَ عَنْ كُلِّ ما يُذِلّ، وَيَعْلَمَ يَقِينًا أَنَّ الدُّنْيا دارُ سَفَرٍ، وَلَيْسَتْ بِدارِ قَرارٍ، وَأَنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ، وَعَلَيْهِ مُقاطَعَةُ رِفاقِ السُّوءِ الْمُبْتَلَيْنَ بِهَذِهِ الْآفَةِ، قالَ تَعالَى: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَىٰوَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَافَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰوَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰفَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ﴾[النازعات:37-41].
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عن الخلفاء الراشدين، وعن الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ ومن تبعهم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلامَ وَالمسْلِمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نَرْجُو فَلاَ تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ. اللَّهُمَّ وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى المرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالمينَ.