16 رمضان, 1446
💥 تعدد الكفارات في القتل الخطأ 🌙
السؤال: شيخنا احد اقاربنا يعمل سائق مركبة ، فوقع له حادث مؤسف قتل فيه عدد من الركاب، هل تلزمه كفارة واحدة للجميع ؟ أم كفارة لكل متوفى ، أرجو التفصيل وبيان رأي الفقهاء . بارك الله فيكم.
✍️الجواب: الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن أكثر حوادث المرور يكون القتل فيها خطأ، ويختلف الحكم فيها باختلاف حالة الحادث، فان كان سائق المركبة قد فَرَّط أو تعدى وخالف قوانين المرور والسلامة، مثل سيره في إتجاه معاكس، أو تجاوز السرعة المقررة ، أو فرط في صيانة السيارة وفحصها جيدا أي بتعدٍ منع واهمال ، ضَمِن ما أتلف من أنفس ووجب عليه امران :
الاول: الدية المخففة على العاقلة اهله وعشيرته على كل نفس ازهقها خطأ.
الثاني: الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَل َمُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92] ، ونظراً لعدم وجود الرقبة، فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين، لا يقطع الصيام الا بعذر شرعي .
👈 واما إنْ كان الخطأ والتقصير يقع على المُتوفى، أو كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع سائق المركبة دفعها، وتعذر عليه الاحتراز منها، وكانت خارجة عن تدخل الإنسان ، فليس على السائق كفارة ولا دية ،لأن الخطأ من غيره عليه، ولا يسمى حينذٍ قاتلا خطأً.
💢وقد اختلف الفقهاء في تعدد الكفارات على عدد من قتلوا في الحادث على قولين:
الاول: تداخل الكفارات ، فتجزئه كفارة واحدة عن الجميع، لأنها جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها، فيجب أن تتداخل كالحدّ، ولأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة. وهو مذهب الحنفية وقول بعض الحنابلة.
فقد قاسوا الكفارات على الحدود والطهارات ، فكما أن من أحدث بأحداث متنوعة ، فإنه يجزئه وضوء واحد ، ومن وقع في الزنا عدة مرات ، كان عليه حد واحد ، فكذلك يقال في الكفارات التي وجبت بعدة أيمان متكررة ، إنه يجزئ فيها كفارة واحدة. ولان الكفارات حدود عن المحظورات .
وفي التجريد للقدوري الحنفي [4/1794 ] : (الكفارات تجري مجرى الحد، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (الحدود كفارات لأهلها)، والحدود إذا ترادفت تداخلت).
وفي المبدع في شرح المقنع لابن مفلح [8/81 ]: (ومن كرر أيمانا قبل التكفير فعليه كفارة واحدة، اختاره الأكثر، وذكر أبو بكر – المروذي-أن أحمد رجع عن غيره، لأن الكفارة حد، بدليل قوله عليه السلام – في صحيح مسلم- : “الحدود كفارات لأهلها” . فوجب أن تتداخل كالحدود) .
وفي التعليقة الكبيرة في مسائل الخلاف علي مذهب أحمد للقاضي ابي يعلى الفراء [1/455] : ( الكفارات ؛ تجري مجرى الحدود والطهارات ، قال صلى الله عليه وسلم : ” الحدود كفارات لأهلها”،ثم ثبت أنه لو زنا ، ثم زنا ، أو أحدث ثم أحدث ؛ فحد واحد ، وطهارة واحدة ؛ كذلك الكفارات ).
وفي شرح الزركشي على مختصر الخرقي [6/209]: (الكفارة تتعدد بتعدد القاتلين، لأنها من موجب قتل الآدمي، فكملت في حق كل واحد من لمشتركين كالقصاص، (وعن أحمد) رواية أخرى أن على الجميع كفارة واحدة، وهي أظهر من جهة الدليل، للآية الكريمة، إذ هي تتناول الواحد والجماعة، والله سبحانه جعل الواجب كفارة واحدة، وكون القصاص يجب على كل واحد من المشتركين ممنوع، ولو سلم فذلك سدا للذريعة، وحسما للمادة، وقتل الخطأ ونحوه لا يقصد، فلا سد، ثم هو منقوض بالدية، فإنها لا تكمل في حق كل واحد من الشركاء على المذهب).
✨القول الثاني: لا تُجزِئُ كفارة واحدة، ويلزمه كفارتان فأكثر بحسب عدد القتلى؛ وهو مذهب المالكية والشافعية واختيار بعض الحنابلة .
لأن سبب الكفارة تعدد، فلا تتداخل، كانتهاك حُرمة شهر رمضان بالجماع في رمضانين أو في أكثر من يوم في رمضان واحد، وكالحَجتين جامَعَ فيهما، أي تعدد الكفارة بتعدد السبب أو الفساد.
وجاء في الفواكه الدواني للنفراوي المالكي [2/199] وعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة [3- 1129 ]: (ذهب الشافعية في الصحيح عندهم والحنابلة إلى أن الكفارة تتعدد بتعدد المقتولين، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. فإن لم يستطع انتظر القدرة على الصيام أو وجود الرقبة. ولا مدخل للإطعام فيها).
قال الامام ابو منصور البهوتي في كشاف القناع [6/66]: (وإن قتل جماعة، أو شارك في قتلهم لزمه كفارات بعددهم، كجزاء الصيد والدية، وتجب الكفارة سواء كان المقتول مسلما أو كافرا مضمونا، كالذمي والمستأمن لأنه مقتول ظلما فوجبت فيه الكفارة كالمسلم) .
👍المفتى به:
هو القول الأول: ( تداخل الكفارات فتجزئه كفارة واحدة عن الجميع) ؛ وهو المناسب في واقعنا الحالي بسبب التطور العلمي وكثرت الضحايا من القتلى بحادث واحد في وسائل النقل الجماعية.
ولأنه أيسر من القول الثاني ، الذي فيه حرج ومشقة، والمشقة تجلب التيسير، ولا سيما أن القتل حدث خطأ من غير قصد منه وتعمد.
والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين الصالح