10 ربيع أول, 1446

المقدمة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يَهْده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد سَعَت مختلفُ المذاهب الفكرية منذ نشأة الدولة الحديثة، إلى تتويج الحقوق الفردية، كأهداف تسعى الكيانات المختلفة إلى توفير كافة الوسائل الداعمة لوجودها، سواء تمثلت هذه الحقوق في الجوانب الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو السياسية، بَيْدَ أن ما يميز المملكة العربية السعودية في هذا الجانب، أنها اعتمدت على دستور ثابت وراسخ، وصالح لكل زمان ومكان، وذلك بما أولاه من رعاية للفرد وما رَسَّخَ من حماية للحقوق، يسبق فيه كافة الإعلانات السياسية والعالمية بشكل لايُجَارَى بأي حال.
ومن هذا المنطلق ألزمت الدولة نفسها بالوفاء بهذه الواجبات تجاه أفرادها، باعتمادها العديد من المبادرات التنظيمية التي تهدف إلى حماية المصلحة العامة، وتحقق الاستقرار والأمن الاجتماعي بمظلةٍ قادرة على استيعاب كافة الظروف الفردية والجماعية لمختلف شرائح المجتمع.
فأوجدت تحقيقاً لهذه الغاية نظام التأمينات الاجتماعية، ونظام التقاعد، وصناديق متعددة، يستهدف كل واحد منها شريحةً من شرائح المجتمع، يضمن أمنها الأُسري والاجتماعي، وفق معايير وشروط وضوابط محددةٍ سلفاً بموجب النظام.
لكن الحقيقة التي لا يَرْقَى إليها أَدْنى شك، وجود عدد من المؤثرات والمشكلات التي تشهدها المجتمعات المعاصرة، والتي تطرأ على تحقيق مصدر دخل للأفراد، من ذلك:”البطالة”، فَهِي داء تَسَلَّلَ إلى كثيرٍ من البلدان ، ولم تسلم منه المملكة في ضوء تَنَامِي التعداد السكاني وعدد الحاملين للشهادات العلمية في مختلف المجالات، حيث بلغت نسبة

2 / 60
البطالة 0.51%(1) الأمر الذي استدعى معه ــ وبجد ــ تدخل الجهات المعنية بغية الوقوف على أعتابها بما يضمن معالجةً جذرية وحقيقيةً قادرة على صَدِّ النتائج التي قد تتمخض عن أية حلول مؤقتة، أو قد تتفاقم مع تفاقم هذه الظاهرة، في ضوء التغييب الحقيقي للحلول المنطقية والعملية .
وعطفاً على ما سبق، شهدت المممارسات العمَلية تدخل ولي الأمر، وأصدر مجموعة من القرارات التي تقف بجانب الأفراد وتهدف إلى الحد من هذه الظاهرة أو توفير معالجة لها بالقدر الذي يضمن للأفراد العيش الكريم إلى حين ولوجهم إلى سلك العمل، سواء في الوظيفة العامة أو القطاع الخاص.
وفي غمرة هذا الوضع، أوجدت بعض البرامج هدفها الأساس القضاء على هذه المشكلة أو التقليل منها، وكان من أهمها الأمر الملكي الكريم رقم أ/19 وتاريخ 20/3/1432هـ الخاص بزيادة رأسمال البنك السعودي للتسليف والادخار، بمبلغ
ثلاثين مليار ريـال بهدف تقليص نسبة البطالة، عن طريق تلبية طلبات القروض الاجتماعية، وتمويل ورعاية المنشآت الصغيرة، والناشئة، وأصحاب الحرف والمهن، من المواطنين.
كذلك الشأن في الأمر الملكي الكريم، ذي الرقم أ/30 وتاريخ 20/3/1432هـ، والخاص بإقرار إعانة مالية مؤقتة للشباب الباحث عن العمل، وقيام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بوضع برنامج للتأمين التعاوني للمواطنين العاطلين عن العمل، ودعم الباحثين عن العمل باستخدام مواردها الذاتية، لتكوين الباكورة الأولى لحزمة من الحوافز والتنظيمات التي ستدعم برنامج التوطين.

(1) وذلك في العام 2009م ، انظر: الموقع الإلكتروني لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات: www.cdi.gov.sa
هذا إلى جانب تشكيل لجنة عليا، من أجل وضع الحلول العملية، من خلال القطاعين الحكومي والخاص، لتوظيف الأعداد المتزايدة من خِريجي الجامعات في مجال التدريس، والصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم أ/9 وتاريخ 20/3/1432هـ.
وبالرغم من أهمية هذه الحلول والمبادرات، إلا أن الإعانات المالية التي تُصْرَف للعاطلين عن العمل داخل الدولة لم تُشَكِّل حلاًّ نهائيّاً وجذريّاً لهذه المشكلة، سيما وأن الظروف الاقتصادية تتغير بين الفينة والأخرى، مما يستدعي معها إعادة النظر في العديد من القرارات التي تُتخذ حفاظاً على المكانة الاقتصادية، ومواءمةً للمتطلبات التي تفرضها الظروف على أرض الواقع، لذا تجد من غير الممكن الإبقاء على تلك الحلول التي تُعتبر بطبيعتها مؤقتة؛ بل يضحى زوالها أمراً محتوماً بالنظر إلى النتائج.
ومن هنا كان لا بُدَّ من البحث عن الحلول الدائمة التي تتواءم والإرادة السياسية لولاة الأمر، في توفير سُبل العيش الكريم لأفراد المجتمع، بالقدر الذي يتم معه إيجاد حلول تُسْهِمُ بطبيعتها في الديمومة والاستقرار بشتى نواحيه.
أهمية الدراسة .
تتجلى أهمية هذه الدراسة في كونها تنصب على واحدة من أهم القضايا التي باتت تطرق أبواب مختلف الأنظمة والدول، حيث لم تعد المملكة بمعزل عن هذا الخطر الذي تمتد آثاره إلى النسيج الاجتماعي برُمته، لذا يظهر البحث عن البدائل التي تُوازن بين حفظ مقدرات الدولة، والإبقاء على مساحة الحركة في الفضاء الاقتصادي بما يضمن مكانتها السياسية والاقتصادية الدوليّة من جهة، وحفظ حقوق الأفراد في توفير العيش الكريم، وضمان مقابل مادي للظروف الطارئة التي تعصف بالأفراد نتيجة امتداد ظاهرة البطالة لتنال من حقهم في العمل الذي غَدَت فُرَصُهُ قَليلة، وتزداد هذه القلة بالقدر الذي تزداد معه الشرائح المتوسطة من حملة الشهادات التي تتطلب جهوداً جبارةً في مواكبة هذا المد، لذا كان العمل على البحث عن حلول منطقية وسيلةَ بناء في نمط الدولة المعاصر، تنهض معه الكثير

4 / 60
من الروافد التي تخدم المصلحة العامة للفرد والدولة في آنٍ واحد؛ إذ من شأن أية حلول قادرة على هذه الموازنة وهذا التناغم بين الفئات والشرائح الاجتماعية وبنية النظام الاقتصادي أن تحقق الأمان الاقتصادي والاجتماعي، وتضمن حراكاً متواصلاً للعجلة الاقتصادية يَصُّبُ في التنمية والنهضة الشمولية بما يرتقي بمكانة الدولة بين نظيراتها في المجتمع الدولي.
وبذلك تبدو أهمية هذه الدراسة، وتزيدُ بالقدر الذي تتفاقم معه هذه المشكلة ، ليصبح معه البحث عن هذه الحلول مطلباً مُلِحّاً يطرق معه أبواب الباحثين والدارسين بغيةَ توفير المناخ الذي يُمَكِّن المنظم من تضمينه للأنظمة التي تقبل معها التعاطي مع هذه الحلول بشكل مباشر ومرونة فاعلة في العلاج السريع والحيوي.
مشكلة الدراسة.
شَكَّلَ التزايد المتنامي لظاهرة البطالة أحد أبرز المشكلات التي غَدَت تُهدد النسيج الاجتماعي داخل الدولة، مما يدعو إلى تدخلها بهدف توفير مظلة الحماية -المؤقتة على الأقل- لهذه الشريحة من أبناء المجتمع، بَيْدَ أن القرارت التي اتُّخِذَت في هذا السياق أسهمت في تحميل الدولة كامل العبء والمسؤولية تجاه هؤلاء الأفراد، الأمر الذي سَيُفْضِى إلى مشكلة حقيقية ــ إن لم تكن على المدى القصير فبالتأكيد على المدى المتوسط ــ مما يستوجب معه  الوقوف على هذا الموضوع بغية العمل على استقراء الحلول النظامية المنطقية التي تَنْشدُها الدولة في التوفيق بين هذه المصالح، باعتبار أن الحفاظ على ميزان المدفوعات غاية ينشدها الجميع، في الوقت الذي يشكل فيه الاستثمار بقطاع الشباب وتوفير الحلول الجذرية لمعضلة البطالة هدفاً لا يَقِلُّ أهمية عن الهدف السابق، بل يتجاوزه.
من هنا جاءت هذه الدراسة راسمة في معالمها الوسائل الممكنة عَلَّها تُسهم في معالجة هذه الأزمة بما لا يتمخَّض عنها أية آثار سلبية قد تصبح معها الدولة عاجزة عن الوفاء بمتطلباتها تجاه الأمان الاجتماعي، وما يلحق به من نتائج.
 

5 / 60
منهج الدراسة.
لئن فرضت متطلبات الدراسة الاعتماد على منهج علمي في تتبع خطوات البحث وصولا إلى النتائج المرجوة من هذه الدراسة، ولئن كان الاعتماد على منهج مفرد بالغ الصعوبة في دراسةٍ مِن هذا القَبِيل ، فقد كان المنهج الوصفي الذي يهدف إلى توصيف الظاهرة في مُحيطها المادي، أحد أهم مناهج البحث التي وَجَدت لنفسها طريقاً إلى هذه الدراسة، بيد أن المنهج التحليلي والمقارن أسهما بقدر كبير في الولوج إلى المخرجات التي توصل إليها الباحث ضمن هذه الدراسة، وذلك عن طريق استعراض الظاهرة في النظام المعمول به  ضمن منهج السياسة الشرعية، ثم بيان موقف الشريعة الإسلامية منها، فضلاً عن تحليل المحتوى بهدف تقديم الحلول الملائمة.
خطة البحث
المبحث التمهيدي: مفهوم التأمين من البطالة.
المطلب الأول: تعريف البطالة.
المطلب الثاني: تعريف التأمين.
المبحث الأول: أحكام التأمين في مواجهة البطالة
المطلب الأول : الجوانب الموضوعية للتأمين في مواجهة البطالة.
الفرع الأول: ضوابط التأمين من البطالة.
أولاً: الضوابط المادية للتأمين من البطالة.
ثانياً: الضوابط الشرعية للتأمين من البطالة.
الفرع الثاني: حالات التأمين من البطالة.
المطلب الثاني: الفئات المشمولة بالتأمين من البطالة
الفرع الأول: المسرحون عن العمل.
الفرع الثاني: المستجدون بالبحث عن العمل.
الفرع الثالث: العاجزون عن أداء العمل.
المبحث الثاني: آثار التأمين من البطالة

6 / 60
المطلب الأول: الآثار الإيجابية للتأمين من البطالة.
الفرع الأول: الآثار الاجتماعية
الفرع الثاني: الآثار الاقتصادية
الفرع الثالث: الآثار السياسية والأمنية
المطلب الثاني: الآثار السلبية للتأمين من البطالة.
الخاتمة والتوصيات .
هذا وأسال الله تعالى أن ينفع بهذا الجهد، وأن يبارك فيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
المبحث التمهيدي
مفهوم التأمين من البطالة

7 / 60
يتطلب الوقوف على مضامين هذه الدراسة تحديد الإطار المفهومي للمفردات التي تتجاذبها، من حيث المدلول اللغوي والمدلول الاصطلاحي،  وفي هذا السياق فإننا سنستعرض أولاً مفهوم البطالة، ثم نقوم بتحديد المقصود بالتأمين.
فالحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، وبخاصة إذا كانت هناك مصطلحات ذات معانٍ متعددة في أكثر من علم، مثل المصطلحات التي نُسلط الضوء عليها
المطلب الأول: تعريف البطالة
أولاً: البطالة في اللغة:
بَطَل الشيءُ يَبْطُل بُطْلاً وبُطُولاً وبُطْلاناً: ذهب ضيَاعاً وخُسْراً، فهو باطل، وأَبْطَله هو، والتَّبَطُّل فعل البَطَالة وهو اتباع اللهو والجَهالة، وفي حَديثِه بَطَالَة: هَزَلَ،كأَبْطَلَ، وبَطُلَ الأَجيرُ: تَعَطَّلَ (1).
وتَجِيء من الباطل ضد الحق، والجمع: أباطيل. وبَطالة بالفتح بمعنى: تعطيل، فهو بطال (2).
والبطالة: الكسالة التي تؤدي إلى إهمال المهمات، والتفرغ من العمل، وأيام البطالة، خلاف أيام الشغل. وفيها، البطّال، المتفرغ، والمتعطل، والكسل المؤدي إلى البطالة(3).
وأقرب المعاني إلى موضوعنا، هو ما كان بمعنى التعطُّلِ عن العمل، والعامل الذي لم يجد عملاً.
ثانياً: البطالة اصطلاحاً:
1/ البطالة في الشريعة:
ورد في كتاب الله تعالى لفظ بطل، وباطل، ومبطلون، وهي في معناها تَحثُّ على البعد عن العجز والكسل والقعود عن العمل، قال تعالى: ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ (4).
والمبطلون في الآية هم المدَّعون غير الحق، ومَن يَدَّعِى غير الحق يكون إنساناً بطالاً؛ لأن الحق يدعو إلى العمل.(5)

(1) لسان العرب، ابن منظور: مادة ( بطل ) ص 35، دار الكتب العلمية، بيروت ط(2) 1993م.
(2) مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي: ص 49،  مكتبة لبنان  ط (1) 1989م.
(3) محيط المحيط، بطرس البستاني: ص42، مكتبة لبنان، 1983م.
(4) سورة الأعراف الآية 173.
(5)محمد بن جرير الطبري: تفسير الطبري ( 6/161) دار المعارف، بيروت (د.ت ).

8 / 60
وقال تعالى: ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﭼ ،(1)وقال جل جلاله: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ  ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ    ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ (2)، ففي الآيتين ترهيب عن التكاسل والقعود عن الجهاد وهو عمل، والقاعدون ليسوا بمنزلة أهل الضرر، فليس لهم عذر، فهم كالنساء والصبيان والكهول، الذين شأنهم القعود في البيوت(3).
وفي سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، جاء معنى البطالة في أحاديث كثيرة، نذكر منها ما يلي:
عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: لما نزلت: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭼ. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ادعوا فلانا ). فجاءه ومعه الدواة واللوح، أو الكتف، فقال: اكتب: {لايستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله}، وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله! أنا ضرير، فنزلت مكانها: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ  ﭚ ﭛ ﭼ (4).
ووجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرّق بين الذين عطلوا أنفسهم ولم يخرجوا إلى بدر، وبين الذين خرجوا، حيث لا مساواة في الأجر والثواب بين هؤلاء وهؤلاء.
ويذهب الفقهاء إلى أن البطالة تعني: العجز عن الكسب في أي صورة من صور العجز، كما ذهبوا إلى أن نفقه الابن المتعطل عن العمل مع قدرته عليه، لا تجب على أبيه؛ لأن شرط وجوبها أن يكون عاجزاً عن الكسب.

(1) سورة التوبة، الآية: 46 .
(2) سورة النساء، الآية: 95 .
(3) عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان(2/134) الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، 1410هـ .
(4) رواه البخاري في الجهاد، باب قول الله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} برقم 2676 (3/1042) دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، 1422هـ مع شرح وتعليق د. مصطفى ديب البغا. ورواه مسلم في الإمارة، باب سقوط فرض الجهاد عن المعذورين برقم 1898 (3/1508)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

9 / 60
وهنا يجب على الدولة رعاية شؤون الفقراء من العجزة واللقطاء والمساجين، ويدخل في حكمهم الذين لا يجدون عملا، حيث يتحمل بيت المال نفقتهم وكسوتهم، وأجرة علاجهم، ونحو ذلك (1).
والبطالة قد تكون بسبب العجز أو الكسل وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منها في قوله :(اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل)(2)
2/ البطالة في الأنظمة المعاصرة :
البطالة ظاهرة اجتماعية، وهي من المصطلحات المعقدة، التي ما زالت تُبذل المحاولات للتعرف عليها، لِوجود اختلافات كثيرة بين العلماء، بحسب المعايير التي يمكن تعريفها من زاويتها، لدرجة أنه يمكن القول بأنه: لا يوجد تعريف جامع مانع؛ بل ويصعب الوصول إلى مثل هذا التعريف بين مُفكري هذا المجال، بسبب أن التعريف يتوقف على الظروف القائمة في الزمان والمكان والسياسات المتبعة، وهي أمور متغيرة بطبيعتها، حيث حاول بعض الباحثين إرجاعها إلى انخفاض الإنتاج في الدول، أو إلى كسل العمال، حين أرجعها البعض الآخر إلى سوء الإدارة أو إلى الاستثمارات غير الناجحة، أو إلى تدهور أخلاقيات العمل، وهي اتجاهات في حقيقة الأمر يصعب حصرها(3).
ومن هذه التعريفات التي تقوم بالنظر إلى البطالة على أساس المشمولين بأحكامها، فَعُرِّفَت بأنها: تشمل كل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن سِن مُعين، وكانوا من دون

(1) حاشية ابن عابدين: 6712، دار الفكر العربي،  بيروت، 1399هـ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير: 2/518، مطبعة عيسى الحلبي، مصر(د.ت)، كشاف القناع على متن الإقناع: منصور البهوتي، 1/234، مكتبة النصر الحديثة، الرياض ( د. ت).
(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات ، باب التعوذ من فتنة المحيا والممات برقم (6367). ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من العجز والكسل وغيره برقم (2706).
(3) د. أحمد حويتي وآخرون: علاقة البطالة بالجريمة والانحراف في الوطن العربي(19) مركز الدراسات والبحوث، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية – الرياض 1419هـ / 1998م.  رفعت المحجوب، دراسات اقتصادية إسلامية: ص 41، معهد الدراسات الإسلامية – القاهرة 1991م. د. عنايت راجي، ثورة حضارية زاحفة: ص18، دار الهلال، القاهرة ط(1) 1987م.

10 / 60
عمل، وهم مستعدون للعمل، وباحثون عنه، واتخذوا خطوات محددة، بحثاً عن العمل بأجر أو عمل للحساب الخاص (1).
وهذا المفهوم مُؤَدَّاهُ تعطيل جانب من قوة العمل، عن العمل المنتج اقتصاديًّا تعطيلاً اضطراريًّا، رغم بحث العامل عن عمل.
وقيل في تعريفها: عدم التوظيف الكامل لأفراد المجتمع، وتعني أن الأفراد الراغبين في العمل يكونون أكثر من الفرص المتاحة، والموجودة في المجتمعات (2).
غير أن دائرة المعارف الأمريكية عَرَّفَتها بأنها مصطلح يقصد به حالة عدم الاستخدام الكلي للأشخاص القادرين على العمل، والراغبين فيه، والباحثين عنه، ولكنهم لايجدونه، ومن هذا المنطلق، فإن البطالة تشمل مجموعات مختلفة من الأفراد، هم:
  • 1) الأفراد الذين لا يعملون.
  • 2) الأفراد الذين يعملون في مواسم معينة.
  • 3) الأشخاص الذين يعملون بشكل مؤقت دون الارتباط بموسم معين.
  • 4) الأشخاص الذين يعملون فعلا لكنهم ذوو إنتاجية منخفضة (البطالة المقنعة)(3).
كما أن نظام الاتحاد الأوروبي تَصَّدى هو الآخر لهذا المفهوم معتبراً أن الشخص يُعد عاطلا إذا توفرات فيه أي من الحالات الآتية:
  • 1) انتهى عقد عمله، ولم يجد عملا آخر.
  • 2) أَتَمَّ تعليمه أو تدريبه، ولم يجد عملا.
  • 3) تم الاستغناء عن خدماته قبل انتهاء عقده، ولم يجد عملا.
  • 4) كان يعمل في عمله أو لدى أسرته، وأصبح بلا عمل (4).

(1) مؤتمر العمل العام الحادي والسبعين، مكتب العمل الفرعي بمنطقة العمل العربي، ص 85، 1985م.
(2) مسفر محمود محمد، إنتاجية المجتمع: ص 181، ط(1)، تهامة للنشر، جدة، 1984م.
(3) د. أحمد حويتي وآخرون: مرجع سابق، ص 20.
(4) جمال حسن أحمد عيسى السراحنة، مشكلة البطالة وعلاجها: ص 50، اليمامة للنشر والتوزيع، دمشق، ط (1) 1420ه/ـ 2000م.

11 / 60
     وهذه -بطبيعة الحال- تمثل وفق هذا المدلول الظروف التي يمكن فيها أن ينسحب على الشخص وصف العاطل عن العمل، أو أن نضع في مظلته الفئات التي يمكن أن نعدها في حكم البطالة.
تحت هذه المسميات، يشترط في تحديد البطالة، أن يكون الشخص دون عمل بأجر، ولو كان لحسابه الخاص، وأن تكون لديه الرغبة في العمل، سواء العمل في القطاع الخاص بموجب عقد عمل محدد المدة، أو غير محدد المدة، أو العمل لحسابه الخاص أيضاً، كما يشترط أن يكون باحثاً بشكل جدّي عن العمل، وأن يكون قادراً عليه، لكنه لم يُوَفَّق في الحصول على العمل الملائم، بسبب صعوبة ما لا دخل لإرادته فيها (1).
وننتهي مما سبق في تعريف البطالة إلى أنه يمكن القول بأن التعريف الذي يكاد أن يكون متفقا عليه دولياً، أن العاطل عن العمل يكون ضمن الفئات الآتية:
1/ بدون عمل. 2/ يبحث عن عمل. 3/ في انتظار عمل.
4/ أن يكون العمل في هذه الحالات بأجر أو لحسابه الخاص.
       ولذلك يمكن أن يُعرَّف العاطل عن العمل بأنه: ]ذلك الشخص في سن العمل القادر على العمل والراغب فيه والباحث، عنه لكنه لم يُوفق في الحصول عليه[.
  وبتقديرنا؛ فإن هذا التعريف يُعَدُّ جامعاً مانعاً؛ لكونه يشمل في إطاره العام مختلف الشروط التي يجب توفرها في أي من الفئات التي يمكن إدراجها تحت مظلة البطالة، وهي شروط مجمعٌ عليها، بحسب ما أوردناه آنفاً.
  وإذا كان هذا هو المفهوم بالنسبة للبطالة ، فماذا بخصوص التأمين الذي يشكل الركيزة الثانية في الإطار المفهومي لعناصر البحث؟ وهو ما سنعرض له في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: التعريف بالتأمين:
أولاً: التأمين لغة:
التأمين في اللغة: مصدر الفعل أمَّن بفتح الميم وتشديدها، والمضارع يُؤمِّن، وقد وردت كلمة أَمّنَ، ومصدرها التأمين، يعنى التأمين على الدعاء، ومعناها اسْتَجِب (2).

(1) د. محمد حسين منصور، التأمينات الاجتماعية: ص 293، منشأة المعارف، الإسكندرية، ط (1) 1976م.
(2)  أحمد محمد الفيومي، المصباح المنير: 1/34، ط(5)، المطبعة الأميرية، القاهرة، 1992م.

12 / 60
أما كلمة (التأمين) فلها معنيان، أحدهما: الأمانة، التي تكون ضد الخيانة، والثاني: التصديق، وهذان المعنيان متقاربان، لكن لهذه الكلمة اشتقاقات كثيرة منها:
الأمن والأمان والأمنة: ضد الخوف (1).
الأمانة: ضد الخيانة.
الإيمان: ضد الكفر، وتكون بمعنى التصديق (2).
الأمان: إعطاء الأمنة؛ أي الأمن (3).
ومن هذا الاشتقاق الأخير أُخذ التأمين بمعناه الاصطلاحي المعروف حالياً، أي اطمأن ولم يَخَف، فهو آمن، وأمِن، ويقال: أَمّنَ على الشيء: أي دفع مالاً، لِينال هو أو ورثتُه قدراً من المال متفقاً عليه، أو تعويضاً عما فقد (4).
ثانياً: المدلول الاصطلاحي للتأمين:
لم يُعرف هذا الاسم عَلَماً على نوع من أنواع المعاملات المالية في الفقه الإسلامي، أما من حيث الصلة بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي، فالفقه الإسلامي عَرَفَ بعض أنواع من العقود تعطي الطمأنينة لأحد الأطراف في العقود، عندما يخشى على أمواله لدى الطرف الآخر، وهذه العقود هي: الرهن، والضمان، ومنه الكفالة، وإن كان هناك فارق بين الرهن والتأمين، وكذلك بين التأمين والكفالة، فالرهن والكفالة من عقود التوثيقات، لكنها تعطي الطمأنينة لأحد أطرافها، ولا علاقة لها بالمعنى الاصطلاحي للتأمين (5).
والتأمين في الاصطلاح النظامي قد يكون نظاماً، أو نظرية، أو فكرة، أو عقداً، أو تطبيقاَ، أو تصرفاَ قانونياَ، ولكل منهما تعريف خاص بالتأمين، ولا حاجة لنا في هذا البحث في إيراد كافة التعريفات المتعلقة بالتأمين، حسب معانيه المذكورة.

(1) ابن منظور، مرجع سابق، 16/160.
(2) لسان العرب، مرجع سابق، 16/160 ابن فارس، معجم مقاييس اللغة: 1/133، مطبعة الحلبي، القاهرة، 1389هـ/ 1969م.
(3) ابن فارس، مرجع سابق: 1/133.
(4) إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط: 1/28، دار الدعوة .
(5) د. عبد اللطيف محمود آل محمود، التأمين الاجتماعي في ضوء الشريعة الإسلامية: ص 37، 38، دار النفائس، الأردن، ط (1)، 1414/1994م.

13 / 60
لكن مايهمنا هنا هو تعريفه الاصطلاحي، المتفق مع مضمون هذه الدراسة، وهو تعريفه كتطبيق في حالة وجود بطالة بين بعض أبناء المجتمع، ممن لا يجدون عملاً.
ومن هذه الزاوية يمكن تعريفه بأنه: “نظام مالي، يلتزم فيه المؤمن، بدفع مبلغ مالي، أو إيراد مرتب، أو أي عوض مالي آخر للمستفيد، عند وقوع الخطر.. مدة معينة….” (1).
وهذا التعريف يقترب إلى حد كبير من موضوع هذه الدراسة، فقد جاء في التعريف أنه “نظام مالي“، إذ من الممكن تحقق ذلك عن طريق نظام تَسُنُّه الدولة، وقد جاء في الأمر الملكي الكريم ذي الرقم أ/ 30 وتاريخ 20/3/1432هـ، التوجيه بقيام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، بوضع القواعد الخاصة بالتأمين التعاوني للمواطنين، العاطلين عن العمل.
وفي التعريف: “يلتزم فيه المؤمن بدفع مبلغ مالي، أو إيراد مرتب، أو أي عِوض ماليٍّ آخر…” فهذا ينطبق على أي مسمى تقرره الدولة، باعتبارها المُؤمن هنا وفقاً للتعريف السابق، وقد تُسمى إعانةً، أو تأميناً، أو ضماناً، أو مرتباً، أو عِوَضاً، تُقرره الدولة عن طريق مؤسساتها، وتقوم بأداء هذا العوض المالي لمن يستحقونه.
وأما القول في التعريف: “للمستفيد عند وقوع الخطر.. مدة معينة..” حيث يتقرر هذا النوع من التأمين لمصلحة العاطلين، كمستفيدين عند وقوع نوع من المخاطر، ولا شك في أن خطر البطالة أعظم في آثاره المتعددة من أية أخطار أخرى، حيث يمكن للدولة إيجاد هذا النوع من التأمين، عن طريق المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، كي يكون وسيلة دفع للمؤمن له للبحث الجاد عن العمل، ولا يَرْكَن إلى مبلغ التأمين والإعانة، التي يتقاضاها وقت التعطل عن العمل.
ومن المعاني الاصطلاحية للتأمين ما جاء أنه “نظام اجتماعي، ذو طابع اقتصادي، يعني قيام الدولة بتوفير حد أدنى لمعيشة طوائف من المواطنين، تتعرض حياتهم للضياع، ما لم تبادر الدولة إلى مساعدتهم، على أساس أنظمة، تكفل لهم هذه المساعدة، باعتبار أنها حق

(1) د. عبد اللطيف محمود آل محمود، مرجع سابق، ص 35.وراجع في التأمين العام الذي تباشره هيئات عامة في الدولة لصالح فئة من الناس، وهو المسمى بالتأمين الاجتماعي، د. عبد الرازق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني: 7/1156، دار النهضة العربية، 1970م.

14 / 60
لا منحة، وتشمل الحالات التي يطبق عادة فيها نظام التأمين الاجتماعي: المرض، والبطالة، والإصابة، والعجز، والشيخوخة، فَيُمنح العامل العاجز عن الكسب مَعَاشاً، يتناسب مع الأجر الأصلي، يُصرف من صندوق التأمينات الاجتماعية، الذي يشترك في تمويله العامل، وصاحب العمل، والحكومة، بِنِسَبٍ مختلفة”(1).
وهذا التعريف، وإن كان يشمل الطوائف التي يجب أن يشملها التأمين من البطالة، إلا أنه في آخره نَصَّ على قيام العامل العاطل، بدفع الاشتراكات الواجبة عليه، حتى يحصل على مبلغ التأمين إذا ما زُجَّ به إلى البطالة . وهذا الإجراء يقتصر على فئة من المشمولين بالتأمين، لكن الفئة الأخرى الذين يُعدون الأكثر عدداً، ولا يتوقع دفعهم للاشتراكات، هم الذين أنهوا دراساتهم، أو الذين لايجدون عملاً بالفعل، ولم يسبق تسجيلهم في نظام التأمينات.
ومن تعريفات التأمين أيضا أنه: “نظام يهدف إلى خلق الاطمئنان لدى أفراد المجتمع العامل، عن طريق ضمان حد أدنى، لدخول قائمة لهم، ولذويهم في حالات عجز العمال أو بطالتهم أو مرضهم أو وفاتهم “(2).
و هذا التعريف أشار إلى العمال الذين كانوا يعملون ثم قَعدوا عن العمل، أو أصابهم مرض، أو وفاتهم، وهو وإن كان صورة من صور البطالة، بيد أننا نعالج ضمن هذا البحث في المقام الأول البطالة التي لم يعمل أفرادها، أو لم يؤدوا عملا في الدولة على الإطلاق، وبحثوا عنه بحثاً جاداً غير أنهم لم يُوفَّقوا في الاهتداء إليه بعد.
وهذا التعريف يبتعد عن تعريفات التأمين سواء كان عقداً أو نظاماً أو نظرية، لكنه تَصّرف أو تطبيق تقوم به الدولة لفئة من الفئات في المجتمع تقوم على إعانتهم وضمانهم.
ومن هنا يمكن لنا التفريق بين إعانة البطالة أو الإعانة بسبب البطالة، وبين التأمين من البطالة.
ويمكن أن تُعرف إعانة البطالة بأنها: “عطاء مالي تلتزم به الدولة تجاه فئات من العاطلين عن العمل، مدةً معينة”، ويمكن أن تكون هذه الإعانة مخصصة للراغبين في العمل

(1) د. أحمد عطية الله، القاموس السياسي: ص 257، ط (3)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968م.
(2) د. سلامة عبد الله، الخطر والتأمين: الأصول العلمية والعملية: ص 500، دار النهضة العربية، القاهرة، 1976م.

15 / 60
لأول مرة، الذين لم يسبق لهم العمل، كالخريجين الجدد ونحوهم، ويمكن أن تكون هذه الإعانة مشروطة بدخولهم في برامج تأهيل محددة.
أما التأمين من البطالة فيمكن تعريفه بأنه: ” نظام مالي يهدف إلى ضمان حدٍّ أدنى من الدخل للعمال في حال فقدانهم لأعمالهم رغم إرادتهم”.
ومنطلق التفريق بين إعانة البطالة، وتأمين البطالة مرجعه إلى أن نظم التأمينات الاجتماعية بشكل عام تبنى على أحد المفهومين التاليين:
الأول: المفهوم التعاوضي أو التبادلي.
الثاني: المفهوم التوزيعي.
والمفهوم الأول تطور مع أوائل تشريعات التأمين الاجتماعية وهو يقوم على الربط بين الحق في التأمين الاجتماعي، وبين ممارسة نشاط مهني، وبعبارة أخرى لايكون التأمين الاجتماعي إلا في مقابل العمل المقدم إلى المجتمع. وأما الأساس في المفهوم الثاني، فلا يعتمد على ممارسة العمل، وإنما على حاجة الفرد، وتضامن الجماعة، وتوزيع الموارد في ضوء الحاجة.(1)
وعليه نجد أننا يمكن أن نفرّق بين: إعانة البطالة التي تقوم بها الدولة انطلاقاً من مسؤوليتها عن أفراد الجماعة، وسدّاً للحاجة النازلة بهؤلاء الأفراد، ولعل الفئات المندرجة ضمن هذه الفئات -كما أشرنا سابقاً- تكون في الخريجين الجدد وغيرهم، ممن لم يسبق لهم العمل، والذين لاتوجد أنظمة تأمينية تشملهم، وتعالج أوضاعهم عند تعرضهم للبطالة، وهذا التفريق لايصح إلا بعد إقرار التأمين ضد البطالة ضمن المخاطر التي يغطيها نظام التأمينات الاجتماعية، ويمكن أن تساهم الدولة في تمويل هذا الفرع بشكل كامل في السنوات الخمس الأولى، فإذا تم ذلك أصبح لدينا نظامان يكمل أحدهما الآخر: “نظام إعانة البطالة” ويشمل العاطلين الذين لم يسبق أن التحقوا بعمل مشمول بالتأمينات الاجتماعية، و”تأمين البطالة” أو التأمين من البطالة ، كأحد المخاطر المشمولة بالتأمينات الاجتماعية، وهو مُوَجَّهٌ للعمال المشمولين بنظام التأمينات الاجتماعية، إذا تعرضوا للبطالة.

(1) د. محمد فاروق الباشا، التأمينات الاجتماعية ونظامها في المملكة العربية السعودية: ص 81، معهد الإدارة العامة بالرياض، ط ( 2)، الإدارة العامة للبحوث، 1416هـ /1996م.

16 / 60
وفي هذا السياق، فإن بحثنا سوف يَنْصَبُّ على محورين أساسيين ، إذ يتم التعرض في المحور الأول إلى: الأحكام التي تهم التأمين في مواجهة البطالة ، بينما نعرض في المحور الثاني إلى الآثار التي تترتب على التأمين من البطالة، سواء الإيجابية منها، أو السلبية، وفقاً للمبحثين الآتيين:
المبحث الأول: أحكام التأمين في مواجهة البطالة
المبحث الثاني: آثار التأمين من البطالة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

17 / 60
المبحث الأول
أحكام التأمين في مواجهة البطالة
         أظهرت الدراسات التحليلية التي جرت حول التأمين الاجتماعي للبطالة في العالم، أن هذا النوع ينتشر في الدول الرأسمالية بصورة كبيرة، غير أن كل الدول حالياً تعاني من زيادة أعداد العاطلين عن العمل، كما تزداد أعداد العاطلين في الدول العربية، وتوجد أنظمة خاصة لتأمين البطالة لبعض الفئات سواءً كانوا عاملين أم غير عاملين، وهناك أنواع من التأمين يشترك العمال بأنفسهم بنسب معينة تدفع شهرياً من رواتبهم لحين قعودهم عن العمل، فيصرف لهم هذا التأمين الذي تساهم فيه الدولة وأصحاب الأعمال، بنسب مختلفة.
     وتختلف الدول في هذا النوع من التأمين الذي تدفعه الدولة للعاطل عن العمل، فبعض الدول تقرر هذا النوع من التأمين، كالنظام النيوزلندي، حيث إن التأمين تتحمله الدولة دون اشتراط مدة، طالما انطبقت شروط البطالة على العاطل.(1)
     كما ينبني تأمين البطالة على عدد من الأسس والقواعد، التي لابد من وجودها؛ كي يؤتي ثماره المرجوة منه في مجال الإصلاح الاجتماعي، والاقتصادي، على حَدٍّ سواء، وقبل تقرير هذا النوع من التأمين من قِبل الدولة، تُجرى دراسات ميدانية وبحوث حول المستحقين، واستبيانات إحصائية، حول مدى توفر الشروط التي يستحق العاطلون التأمين عليها، من حيث مدة التأمين، والقدر المالي، وضوابط هذا الاستحقاق.
     ثم إن هناك بعض الحالات بعد تقرير الدولة للتأمين، قد يتم فيها تخفيض قدر التأمين أو إيقافه، أو حتى سقوطه نهائيًّا، حسب حالة المؤمن عليه اجتماعيًّا، وكذلك حسب العناصر التي يقوم من خلالها التأمين، وما إذا كان يُقَدَّمُ مالياً دفعة واحدة، أو إيراداً مرتباً لمدة معينة، أو مساعدات عينية، أو مالية، في ظروف يمر بها المؤمن عليه، وحسب نوع المخاطر بالنسبة له.
      وفي ضوء ما سبق فقد وجدتُ من المناسب تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نتعرض في المطلب الأول: الجوانب الموضوعية للتأمين من البطالة، بينما نتعرض في المطلب الثاني الفئات المشمولة بالتأمين من البطالة وفق التقسم الآتي:
المطلب الأول : الجوانب الموضوعية للتأمين من البطالة.
المطلب الثاني: الفئات المشمولة بالتأمين من البطالة.
المطلب الأول

(1) د. عبد اللطيف محمود آل محمود، مرجع سابق:ص 286، 288.

18 / 60
الجوانب الموضوعية للتأمين من البطالة
أَشَرْنَا في التمهيد إلى أن ثمة فرقاً واضحاً بين إعانة البطالة التي تقدمها الدولة دون اشتراك مسبق، وبين التأمين من البطالة؛ وفق المفهوم الذي أشرنا إليه؛ والذي لا يكون إلا باشتراك مسبق لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وبما أن المملكة العربية السعودية بدأت أول الخطوات في سبيل تقرير سبل ووسائل معالجة البطالة، حيث كانت البداية من تقرير إعانة البطالة، إلا أن التأمين من البطالة بمفهومه النظامي لم تتم معالجته من قِبل الدولة، ولم يعهد إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية إقحام هذا الخطر في بنوده بَعْدُ بغية شمول الفئات المشمولة بأحكامه، على غرار فَرْعَي الأخطار المهنية والعجز من الشيخوخة وفرع الوفاة.
وإذا كنا ممن ينادي ضمن هذه الدراسة بتبني هذا الحل النظامي، وجعل نظام التأمينات الاجتماعية الأَولى بالتصدي إلى هذا الفرع الجديد من فروع المخاطر الاجتماعية، فإن لهذه الدعوة صدىً واسعاً في تبريرها .
فالتأمين الاجتماعي نظام مالي يقوم على أساس تَسلُّم الاشتراكات والمساهمات المدفوعة، ثم دفع المستحقات الواجبة لصاحب الاشتراك، وهو في النهاية نظام مُلْزِمٌ لأطرافه، يحتمل المعاوضة، ويُعَدُّ وسيلةً من وسائل التعاون على وجه الاستمرار، كما أنه يتسم بالإجبار والإذعان (1).
وإذا كان ثمة من يتردد بالقول أن نظام التأمينات الاجتماعية يهتمُ بالفئات العاملة في القطاع الخاص، وبالتالي فإن الفرد يلزمه أن يتمتع بصفة العامل حتى يلتحق بهذا النظام، ويحق له التأمين من المخاطر الاجتماعية، فإن هذا الرأي يعتبر مردوداً؛ كونه لايرقى إلى الفلسفة التي يقوم عليها نظام التأمينات الاجتماعية من جهة، ولكون هذا النظام أتاح المجال لفئات أن تنخرط في مظلته وهم في الأصل ليسوا بعمال وفق ما يعرف باسم التأمين الاختياري الذي يحق للفرد أن يندرج في مظلته.
وكذلك الأمر فإن الجديد في هذا النظام، أنه يعطي للدولة صفة التأمين على الأفراد ممن انطبقت عليهم الشروط لتحل بدورها في الوفاء بالقسط الذي يقع تحديده مسبقاً لمؤسسة

(1) د. السنهوري، مرجع سابق: 1/39، د.مصطفى الجمال، د. حمدي عبد الرحمن، دروس في التأمينات الاجتماعية: ص 50، مؤسسة شباب الجامعة، 1973م، د. زهدي بن شريف يكن: شرح قانون الموجبات والعقود مع مقارنتة بالشرائع الإسلامية والرومانية والقوانين الحديثة: 15/38، ط(1)، دار الثقافة، بيروت، 1961/1970م.

19 / 60
التأمينات الاجتماعية ابتداءً من الأجر المفترض إذا كان التأمين لأول مرة، أو من أجر العامل إذا كان على رأس عمله وبنسبة 2% على وجه التحديد، لتتولى الدولة الوفاء بهذا القسط ولمدة معينة ثم يقع بعد ذلك توزيع هذا العبء على عاتق رب العمل والدولة بنسبة 1% لكل منهما .
   والواقع أن التأمين بهذا المعنى يختلط في العديد من المصطلحات والمعاني التي قد تتداخل فيما بينها، منها مصطلح الكفالة الاجتماعية أو المساعدة الاجتماعية، اللذان يعنيان قيام الدولة أو الأغنياء، في المجتمع أو الأسرة، بكفاية حاجة المحتاجين ممن لا يقدرُ عليها من غير مقابل (1).
   حيث يُفهم من ذلك أن إعانة البطالة مندرجة ضمن أنواع المساعدات الاجتماعية التي تقوم بها الدولة.
    وإذا كانت إعانة البطالة نوعاً من المساعدة الاجتماعية، تكفل وجود دخل لبعض الفئات العاطلين عن العمل، سواء كانوا يعملون قبل ذلك وانقطعوا عنه لأي سبب من الأسباب، أم الذين يبحثون عن عمل ولم يجدوا، أم العاجزين عن العمل لأسباب صحية أو اجتماعية، فإن المراد ذكره في هذا المقام أن النوع الأول من أنواع التأمين وبخاصة لمن كانوا يعملون، تأخذ به العديد من الدول على مستوى العالم، على حين أن النوع الثاني، وهو مساعدة البطالة للباحثين عن العمل أو العاجزين عنه، أخذ يجد له صدىً في بعض الدول، في الآونة الأخيرة، نتيجة الآثار السلبية التي تُحدِثُها هذا الفئات في مجتمعاتها (2).
     والجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية أخذت في تنفيذ أولى الخطوات، بإقرارها أولى الوسائل لمواجهة البطالة عام 1432هـ، حين أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ حفظه الله ــ بعض الأوامر الملكية المتعلقة بالقضاء على مشكلة البطالة، منها الأمر الملكي رقم أ/30، وتاريخ20/3/1432هـ، ثم صدور الأمر الملكي الكريم، رقم: أ/61وتاريخ 13/4/1432هـ، بتقرير إعانة بطالة تُقَدر بألفي ريـال شهريّاً للعاطلين عن العمل.

(1) الشيخ محمد أبو زهرة، المجتمع الإنساني في ظل الإسلام: ص 59، دار الفكر، القاهرة، 1410هـ.
(2) انظر: د. عبد اللطيف محمود، مرجع سابق: ص 265، 266.

20 / 60
     ومما سبق يتضح أن شروط استحقاق إعانة البطالة، تختلف بحسب كل مصطلح من المصطلحات المشابهة، سواء من حيث الغرض أو الغاية، أو الفئات المشمولة في كل نظام من هذه الأنظمة المشار إليها، وعلى ذلك؛ فإن لإعانة البطالة شروطاً أخرى تميزها عن أي نظام ترعاه الدولة، كما تختلف عن التأمين الاجتماعي للبطالة الذي يعتمد على قيام العامل قبل توقفه عن العمل بأداء الاشتراكات المقررة عليه، وعند التعطل تصرف له المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هذا التأمين الناتج عن اشتراكات العامل وحصة صاحب العمل وحصة الدولة.
   وهذا نوع من أنواع البطالة، سَنُشِير إليه في ثنايا البحث، بيد أن ما نحن بصدده في هذه الدراسة، إنما يختص بالفرد الذي لايعمل، ومَن ليس له دخل مطلقاً، ولكنه آخذ في البحث عن عمل في الوقت ذاته.
  وهنا يتبادر إلى الذهن، جملة من التساؤلات: قوامها، ما هي الضوابط التي تدفع إلى التأمين من البطالة؟ وما هي الحالات التي يمكن في ضوئها التأمين من البطالة؟
  سَنُجِيب عن هذه التساؤلات من خلال الفرعين الآتيين:
الفرع الأول: ضوابط التأمين عن البطالة.
تنقسم ضوابط التأمين عن البطالة إلى ضوابط مادية، وأخرى شرعية، وفقاً لما يلي:
أولا: الضواط المادية:
  يمكن الوقوف على هذه الضوابط في معيارين أساسيين، يتجلى الأول في واقع البطالة في المملكة العربية السعودية الذي تشكل فيه المعايير الرقمية عاملاً مهمّاً في استقراء المخاطر التي باتت تهدد المجتمع (المعيار الأول) بينما يتجلى (المعيار الثاني) في حق المواطنة.
 
 
المعيار الأول: واقع البطالة في المملكة العربية السعودية، الموجب للتأمين من مخاطره؟
لعله من المناسب القول أن من ضوابط التأمين، معرفة الواقع الفعلي للبطالة، وحجمها، حتى يمكن تقرير التأمين المناسب، ففي دراسة مَسْحية أَجْرَتْها وزارة العمل، في عام 1426هـ،

21 / 60
تبين أن أكثر العاطلين عن العمل، تتراوح أعمارهم مابين (19-26) سنة، أي بنسبة 78% من عدد العاطلين في الدولة، ويحمل 73% منهم الشهادتين الثانوية والجامعية، ويمثل غير المتزوجين منهم 85%، وينحدر 59% منهم من أسر ذات دخل محدود جدّاً، يقل عن ثلاثة آلاف ريـال في الشهر، و23.5% من أسر دخلها ما بين ثلاثة آلاف وأقل من ستة آلاف ريـال، كما أن 39.5% من آباء هؤلاء العاطلين ليس لديهم عمل، وأن 95% منهم أمهاتهم ربات بيوت، ويسكن 70% من هؤلاء الشباب المدينة، ويسكن 59% منهم في بيوت شعبية، أو شقق مستأجرة، كما أن الشباب الذين لم يسبق لهم أن توظفوا تبلغ نسبتهم 78%، أما عن العمل الذين يبحثون عنه فالوظائف المكتبية 58%، وأعمال أخرى بنسبة 29% (1).
أما عن مستقبل العمالة حتى عام 1450هـ، فهناك توقع بتطور سوق العمل بوجه عام، وهو ما يتم استقاؤه من الدراسات الاستشرافية التي أعدتها وزارة التخطيط والاقتصاد، حيث توضح تلك الدراسات ما يأتي:
  • 1. مجموع العاملين من السعوديين عام 1430هـ سيكون خمسة ملايين نسمة، وأن الفرص المتاحة للعمل تبلغ 8.5 ملايين.
  • 2. مجموع العاملين من السعوديين في عام 1440هـ سيبلغ 8.3 ملايين، وأن فرص العمل تبلغ 10.7 ملايين فرصة.
  • 3. مجموع العاملين من السعوديين عام 1450هـ سيبلغ 12.5 مليون، مقابل 13.5 مليون فرصة عمل.
يتضح من هذه الإحصائية التي بُنيت على دراسات إكتوارية، أن عدد القوى العاملة الوافدة يجب أن يتناقص بمعدل لا يقل عن 150 ألف فرصة عمل سنويّاً، حتى يتم إحلال العمالة الوطنية محلها، ويمكن بذلك القضاء على البطالة من العاملين السعوديين (2).

(1) د. عبد اللطيف بن دبيان العوفي، الأستاذ عايض بن علي القحطاني، إشراف د. علي بن ناصر الغفيص: ص5، دراسة وصفية مسحية صادرة عن وزارة العمل في المملكة العربية السعودية سنة 1425هـ / 1426هـ .
(2) د. أحمد الزامل، الملامح الرئيسية لسوق العمل، سجل البحوث والأوراق العلمية المقدمة إلى ندوة المجتمع والأمن: ص8 ،كلية الملك فهد الأمنية، 1423هـ

22 / 60
هذا واقع البطالة في السعودية، وحتى إذا أخذنا في الاعتبار اختلاف الواقع الإحصائي، فعند النظر في هذه الأرقام يجب أن نأخذ بعين الاعتبار: إجمالي عدد السكان المتزايد سنويّاً حيث من المتوقع أنه سيصل عدد سكان المملكة في عام 1450هـ إلى: 38.5 مليون نسمة، وهذا هو الدافع للمختصين للبحث عن الحلول الجادة، في تشغيل العاطلين، وبناءً على هذا الواقع يمكن لهم تقدير التأمين المناسب.
بيد أن الحقيقة التي لا يرقى إليها الشك، أن البحث في التأصيل المادي والشرعي للقاعدة التي بُنِيَ عليها حق التأمين من البطالة، يشكل في حدِّ ذاته تحولاً نحو إضفاء الصبغة النظامية على طبيعة العمل، لا أن يركنه إلى مجرد الزعم بمنأى عن التطبيق الفعلي. وهو ما سنتعرض له فيما يلي:
المعيار الثاني: حق المواطنة.
يكمن الدافع في تقرير إعانة البطالة، أو التأمين من البطالة، أنه حق للمواطن، وهذا من القواعد البدهية التي يجب أن تعترف بها كافة الدول، على اختلاف سياساتها، في الوقت الراهن، فقد كانت الدول قديماً، تحجم عن التدخل والاكتفاء بدور الدولة الحارسة، وهذا الدور لم يعد ينسجم مع التوجهات المعاصرة، للارتقاء الحضاري والفكري، وما يحدث في دول العالم شرقاً وغرباً، فأضحى من المتحتم على الدول أن تقوم بدور الدولة الراعية والمسؤولة عن مشكلات رعاياها، حيث يجب عليها التدخل في كل شؤونهم؛ بالتشريعات المختلفة والمساعدة المالية، حتى يَعُمَّ الأمان الاجتماعي، ويسلم المجتمع من الأخطار التي تهدده، سواء من الداخل أم الخارج (1).
فتأمين البطالة حق مطلق للعاطلين عن العمل، كالتأمين عليهم من الأخطار الاجتماعية، ولم يَعُد هذا الحق في الوقت الراهن منوطاً بالمزاجية المطلقة لكل دولة من دول العالم، فلقد خرجت هذه القضية إلى مستوى المجتمع الدولي، فالواقع العالمي لقضايا العمل يرتبط بالأزمات السياسية والاقتصادية، التي بات أمرها يتخطى الحدود المحلية, فإذا كانت الدول تحرص على السلام الداخلي، فإن عليها واجباً كبيراً في التعاون من أجل السلام الاجتماعي العالمي.

(1) د. محمد فاروق الباشا، مرجع سابق: ص 29.

23 / 60
ومن هذا المنطق نجد أن أغلب المواثيق الدولية تقرر هذا الحق في الأمان الاجتماعي، حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الحق، حيث جاء “أن كل شخص باعتباره عضواً في المجتمع له حق في الضمان الاجتماعي، وهو مكون على أساس نيل الكفاية من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته، والتطور الحر لشخصيته، وذلك بفضل المجهود الوطني والتعاون الدولي، مع مراعاة ظروف كل دولة ومواردها “(1).
وقد قررت أن “لكل شخص الحق في مستوى كاف للمعيشة لتأمين صحته وراحته، وراحة أسرته، خاصة فيما يتعلق بالغذاء والكساء والسكن والخدمات الطبية، وكذلك بالنسبة للخدمات الاجتماعية الضرورية، وللشخص الحق في الضمان ضد البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة , ويستحق الحماية في كل حالة يفقد فيها موارد معيشته؛ بسبب لا يرجع لإرادته “(2).
ومن الاتفاقيات الدولية في هذا المجال، الاتفاقية رقم 102 لمنظمة العمل الدولية، حيث حددت الاتفاقية تسعة أخطار يجب على كل دولة تنضم إلى هذه الاتفاقية تأمين مواطنيها، ضد ثلاثة منها على الأقل، وهذه الأخطار هي: المرض الذي يحتاج إلى علاج، والمرض الذي يُعَوَّض عنه بسبب نقص الدخل، والبطالة، والشيخوخة، وحوادث العمل، وأمراض المهنة , والأمومة , والعجز، والوفاة، والأعباء العائلية.
وعندما تختار الدولة ثلاثة فقط من هذه الأخطار، يجب أن يكون من بينها واحد من الأخطار التالية: البطالة، الشيخوخة، حوادث العمل، أمراض المهنة، العجز , الوفاة (3).
وإذا بدت من البديهيات في ضوء هذا التبرير للأساس الذي يكمن وراء الحاجة إلى التأمين من البطالة ، فإن استيفاء هذا الأساس أو القاعدة لسائر متطلباتها لا ينفصم عن الوقوف على القاعدة الشرعية التي تعضد هذا العمل وهو ما سنورده بعد ذلك.
 
ثانيا: الضوابط الشرعية في التأمين من البطالة:

(1) المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر في عام 1948م.
(2) المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر في عام 1948م.
(3) د. محمد فاروق الباشا، مرجع سابق: ص 40، 41 .