8 جمادي أولI, 1446

(المؤرخ والنص التاريخي)

يؤمن شماريخ التاريخ بنظرية

(لا تاريخ بدون مؤرخ)، وأن التاريخ من صنع المؤرخ المحترف، المستنطق لعمق النص التاريخي وسبر أغواره، وللتمييز بين هذه الصفة الأصلية الملتصقة بالحرفة، وبين صفات أخرى مكتسبة،

هناك فرق (بين الأراخ والمؤرخ.)

🌷فالأراخ،

كما عرفه فيلسوف النقد التاريخي العروي:

ناظرًا بدون نظر، يحافظ ولا يلاحظ، يحفظ ولا يعي،

فهو فعلًا مجرد آلة وواسطة الماضي حاضر فيه، وبه وهو غائب لا يسمع ولا يعي، فيكون مخبرًا بدون خبرة.

التاريخ موجود كمادة في الأراخ،

ولكن بغياب الأراخ عن نفسه فإن التاريخ، غير موجود.

الأراخ الحافظ، غائب عن نفسه لأنه خاضع للتاريخ كمادة، لأنه حافظ للآثار المادية، المسموعة والمرئية ليست قراءة منهجية،

بل سردًا وجدانيًّا سطحيًّا،غير محقق ولا مؤرخ.

🌷أما المؤرخ،

هو الذي يدرس الإنسان في الماضي

من خلال كل أبعاده،

منتهجًا النقد التاريخي الذي يقوم على التحقيق والمقابلة ووزن قيم الأدلة، وربط السبب بالنتيجة مع التعليل للحوادث وإرجاعها إلى دوافعها؛

فليس التاريخ مجرد استعادة وقائع الماضي، وإنما إعادة الروح إليها والنفاذ إلى أعماقها؛

بذلك تصبح الأحداث حاضرة وتستحيل الوقائع الميتة إلى نبضات حية،

فهو يمتلك عينًا مدربة ترى خيوط الماضي وهي تلمع تحت سطح الحاضر، ووظيفته ليست صحبة الماضي

وإنما استيعابه وفهمه، كمفتاح لفهم الحاضر وبناء المستقبل.

إذن فالتاريخ عملية مستمرة من التفاعل، بين المؤرخ ووقائعه وحوار سرمدي بين الحاضر والماضي،

فالنصوص التاريخية في حقيقتها، نشاط ذهني فكري تحليلي، مولد للتباين

منتج للاختلاف، فالنص التاريخي، لا يقول الحقيقة بل يخلق الحقيقة،

فلا ينبغي التعامل معه بما يقوله وينص عليه،

بل بما يسكت عنه ولا يقوله،

بل بما يخفيه ويستبعده بالنقد التاريخي.

فالمؤرخ المحترف، المتسم بالدقة والأمانة، ليس عبدًا للوثائق،

ولكنه حاصف فطين يفكك النصوص،

ويعيد تكوينها النسيجي؛ فهو ينتقل

من نص الحقيقة إلى حقيقة النص،

وتفكيكه واختراق كثافته الاستكشافية من جديد.

 

ومضة:

الأراخون، الذين يقتاتون من التاريخ ويعرضون حساءً تاريخيًّا فاسدًا وغثا ونفعه قليل.

 

جاك لوغوف..)(منقول).