15 جمادي أول, 1447
الانتماءُ للوطنِ ونِعمةُ الأمْنِ وحقيقةُ المواطنةِ
﴿الخطبة الأولى﴾ 27/3/1447هـ
الحَمْدُ للهِ وَاهِبِ النِّعَمِ، وَدَافِعِ النِّقَمِ، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَأَفْضَالِهِ، أَسْبَغَ عَلَيْنَا النِّعَمَ وَأَتَمَّهَا، وَدَفَعَ عَنَّا كَيْدَ الكَائِدِيْنَ، وَمَكْرَ الحَاسِدِيْنَ، فَلَهُ الحَمْدُ فِي الأُوْلَى وَالآخِرَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوْا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَامْتَثِلُوا قَوْلَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
عبادَ اللهِ: لَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ البِلَادِ المباركَةِ بِنَعَمٍ عَظِيْمَةٍ، وَمِنَنٍ وَآلَاءٍ جَسِيْمَةٍ، لَا نُحِيْطُ بِهَا قَدْرًا، وَلَا نُحْصِيْ لَهَا شُكْرًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان:20] وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾[النحل:18] وَإِنَّ أَعْظَمَ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي هَذِهِ البِلَادِ، نِعْمَةُ الإسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْ نِعَمِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَيْنَا نِعْمَةُ الأَمْنِ فِي الأَوْطَانِ، وَالصِّحَّةِ فِي الأَبْدَانِ، وَتَوْفِيْرِ كَثِيْرٍ مِنْ أَسْبَابِ العَيْشِ الكَرِيْمِ، واجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ وَتَوْحِيدِ الصَّفِّ، فَنَحْنُ وَللهِ الحَمْدُ نَعِيْشُ فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَرَاحَةٍ وَاطْمِئْنَانٍ، وَهَذَا غَايَةُ مَا يَتَمَنَّاهُ كُلُّ إِنْسَانٍ عَاقِلٍ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا» أخرجه الترمذي بإسناد حسن.
وَحُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ فِي النَّفْسِ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [ الحشر:9].
فَقَدْ وَرَدَ مَفْهومُ الوَطَنِ فِي كِتابِ اللَّهِ بِصيغَةِ (الدّارِ) وَ(الدّيارِ)، وَقَدْ ذَكَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أَحَادِيثِهِ الشَّريفَةِ حُبَّهُ لِوَطَنِهِ وَشَوْقِهِ إِلَيْهَا، فَكَمَا وَرَدَ فِي حَديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَكَّةَ: (ما أطيبَكِ من بلَدٍ وأحبَّكِ إلَيَّ، ولولا أنَّ قومِي أخرجوني مِنْكِ ما سَكَنْتُ غيرَكِ) صححه الألباني.
وَلَا يُدْرِكُ قَدْرَ مَا نَحْنُ فِيْهِ مِنْ النِّعَمِ إلَّا مَنْ فَقَدَهَا، وَجَرَّبَ مَا تُعَانِيْهِ بَعْضُ البُلْدَانِ، مِمَّنْ ابْتَلاهُمْ اللهُ بالجُوْعِ وَالخَوْفِ والاضْطِرَابَاتِ وَالفُرْقَةِ وَالتَّشَرْذُمِ، وَأَنْوَاعِ البَلَاءِ بالِضِدِّ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ مِنْ خَيْرٍ ونِعْمَةٍ، فَبِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الأَشْيَاءُ، وَلَا تَدُوْمُ النِّعَمُ إِلَّا بِالشُّكْرِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم:7].
عِبادَ اللهِ: إِنّ مِنْ أَعْظَمِ مَقاصِدِ الشَّرِيعَةِ اجْتِماعَ الْكَلِمَةِ وَوِحْدَةِ الصّفِّ، قالَ تَعالَى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:92] ، وَقالَ تَعالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران:103] ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا»[رواه مسلم رقم: 1715] فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نَحْمَدَ اللهَ تَعَالَى عَلَى مَا هَيَّأَ لَنَا فِيْ هَذِهِ البِلَادِ الـمُبَارَكَةِ، الـمَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُوْدِيَّةِ مِنْ أَحْدَاثٍ وَرِجَالٍ، جَعَلَهُمْ اللهُ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ أَسْبَابًا لِحُصُوْلِ هَذِهِ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ، الّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِها عَلَى الممْلَكَةِ مُنْذُ أَنْ وَحَّدَها الملِكُ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ عَبْدِالرّحْمَنِ آلِ سُعُودٍ -رَحِمَهُ اللهُ-وَما نَعِيشُهُ اليَوْمَ مِنْ نِعَمِ الْأَمْنِ وَالرّخاءِ وَوِحْدَةِ الصَّفِّ في ظِلِّ قِيادَةِ خَادِمِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيْفَيْنِ الـمَلِكِ سَلْمَانَ بِنِ عَبْدِ العَزِيْزِ وَسمُوِّ وَلِيِّ عَهْدِهِ مُحَمَّدٍ بْنِ سَلْمَانَ حَفِظَهُمَا اللهُ تَعَالَى، حَيْثُ يَبْذُلَانِ جُهُوْدًا عَظِيْمَةً فِي خِدْمَةِ الإِسْلَامِ وَالـمُسْلِمِيْنَ دَاخِلِيًّا وَخَارِجِيًّا.
أيها المسلمون: إِنّ الحِفاظَ عَلَى أَمْنِ الْأَوْطانِ مَسْؤُولِيَّتُنا جَمِيعًا، وَهِيَ مَسْؤُوليَّةٌ عَظِيمَةٌ نَقُومُ بِها مِنْ خِلالِ طاعَتِنا للهِ عَزّ وَجَلّ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، وَطاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَلُزُومِ الجماعَةِ، وَالِالْتِزامِ بِالْأَنْظِمَةِ وَالتّعْلِيماتِ الّتِي وَضَعَتْها الدّوْلَةُ لِحِفْظِ الْحُقُوقِ وَصِيانَةِ الْأَرْواحِ وَالممْتَلَكَاتِ، قالَ تَعالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾[النساء:59]، وَمَهْمَا يَكُنْ يا عَبْدَ اللهِ الْقِطاعُ الّذِي تَعْمَلُ بِهِ سَيَكُونُ لَكَ دَوْرٌ مُهِمٌّ حاسِمٌ تُؤَدِّيهِ لِلْمُساهَمَةِ فِي بِناءِ وَطَنِكَ.
وإنَّ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللهَ، وَمِنْ شُكْرِ اللهِ أَنْ نَشْكُرَ وَنَذْكُرَ جُهُودَ وُلَاةِ أَمْرِنَا وَفَّقَهُمْ اللهُ فِي حِمَايَةِ جَنَابِ التَّوْحِيْدِ وَالتَّحْذِيْرِ مِنَ الشِّرْكِ، وَفِي الحَثِّ عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَحِمَايَتِهَا، فَبِفَضْلِ اللهِ لَيْسَ فِي بِلَادِنَا قَبْرٌ يُطَافُ بِهِ، وَلَا صَنَمٌ يُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ، وَلَا بِدَعٌ ظَاهِرَةٌ وَالحَمْدُ للهِ، وَمِنْ تِلْكَ الجُهُودِ الحَمِيْدَةِ لِوُلَاةِ أَمْرِنَا عِمَارَةُ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيْفَيْنِ وَالعِنَايَةُ بِقَاصِدِيْهِمَا مِنْ ضُيُوفِ الرَّحْمَنِ، وَتَطْوِيْرُ قِطَاعَاتِ التَّعْلِيْمِ وَالصِّحَّةِ، وَمِن أهَمِّ الجُهُوْدِ الـمَشْكُوْرَةِ مَا بَذَلَتْهُ هَذِهِ الدَّوْلَةُ الـمُبَارَكَةُ فِي حِفْظِ الأَمْنِ والاسْتِقْرَارِ فِي شَتَّى رُبُوْعِ البِلَادِ وَحُدُوْدِهَا، وكَذَلِكَ دَعْمُ جَمِيْعِ مُؤَسَّسَاتِ الدَّوْلَةِ وَوِزَارَاتِهَا وَرَسْمُ الخُطَطِ والرُّؤَى التّنْمَوِيَّةِ الشَّامِلَةِ وَمُحَارَبَةُ الفَسَادِ لِلنُّهُوضِ بِالدَّوْلَةِ وَشَعْبِهَا وَالـمُقِيْمِينَ بِهَا لَأَعْلَى الـمَرَاتِبِ. وَتَأْتِي تَصْرِيحاتُ وُلاةِ أَمْرِنا -حَفِظَهُمُ اللهُ- مُجَسِّدَةً لِهَذا النَّهْجَ المبارَكَ؛ فَيَقُولُ الملِكُ سَلْمانُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ -حَفِظَهُ اللهُ-: هَدَفِي الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ بِلادُنا نَمُوذَجًا ناجِحًا وَرائِدًا فِي الْعَالَمِ عَلَى كافَّةِ الْأَصْعِدَةِ، وَسَأَعْمَلُ مَعَكُمْ عَلَى تَحْقِيقِ ذَلِكَ. وَيُصَرِّحُ وَلِيُّ الْعَهْدِ الْأَمِينُ -حَفِظَهُ اللهُ- بِقَوْلِهِ: يَسُرُّنِي أَنْ أُقَدِّمَ لَكُمْ رُؤْيَةَ الْحَاضِرِ لِلْمُسْتَقْبَلِ الّتِي نُرِيدُ أَنْ نَبْدَأَ الْعَمَلَ بِها الْيَوْمَ لِلْغَدِ بِحَيْثُ تُعَبّرُ عَنْ طُمُوحاتِنا جَمِيعًا وَتَعْكِسُ قُدْراتِ بِلادِنا.
عِبادَ اللهِ: إِنّنا جَمِيعًا نَحْمِلُ رُؤْيَةً عَظِيمَةً، تَرْتَكِزُ عَلَى مُجْتَمَعٍ حَيَوِيٍّ، وَاقْتِصادٍ مُزْدَهِرٍ، وَوَطَنٍ طَمُوحٍ، فَالمجْتَمَعُ الحَيَوِيُّ فِي رُؤْيَةِ 2030 مُجْتَمَعٌ نابِضٌ بِالحياةِ مُتَماسِكٌ سَعِيدٌ مُزْدَهِرٌ اقتِصادِيًّا، جُذُورُهُ راسِخَةٌ تَسْتَنِدُ عَلَى قِيَمِ الإسْلامِ السَّمْحَةِ، وَالْفَخْرِ بِالوَطَنِ مَعَ الِاعْتِزازِ بِالتُّراثِ وَالثّقافَةِ السّعُوديّةِ، فَمِنْ أَوْلَوِيّاتِ رُؤْيَةِ 2030: الرّفاهِيَةُ الصّحِّيّةُ والنّفْسِيّةُ وَالِاجْتِماعِيّةُ، وَالِالْتِزامُ بِتَعْزِيزِ التّنْمِيَةِ الِاجْتِماعِيّةِ مِنْ خِلالِ: تَقْوِيَةِ الرّوابِطِ الْأُسْرِيّةِ، وَبِناءِ شَخْصِيّاتٍ مُتَعَلّمَةٍ قَوِيّةٍ، وَإِنْشاءِ أَنْظِمَةِ رِعايَةٍ صِحّيّةٍ وَاجْتِماعِيّةٍ مُتَطَوّرَةٍ، وَهَذا المجتَمَعُ الحَيَوِيُّ هُوَ أَساسُ الِاقْتِصادِ المزْدَهِرِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلالِ تَوْفِيرِ بِيئَةٍ مُناسِبَةٍ لِلنّمُوِّ، واسْتِحْداثِ فُرَصِ عَمَلٍ لِلْمُواطِنِينَ، وَرِعايَةِ المواهِبِ، وَتَنْمِيَةِ الاسْتِثْماراتِ، وَاغْتِنامِ الْإِمْكاناتِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي يَتَمتّعُ بِها الْوَطَنُ، وَقَدْ وَفّرَتِ الممْلَكَةُ بِيئَةً تَنافُسِيّةً جاذِبَةً مَفْتوحَةً لِلْأَعْمالِ لِبِناءِ اقْتِصادٍ عالَمِيٍّ رائِدٍ يُعَزِّزُ رِيادَةَ الأعْمالِ، وَيُعِيدُ هَيْكَلَةَ المدُنِ الِاقْتِصادِيّةِ، وَيُسْهِمُ فِي إِنْشاءِ مَناطِقَ خاصَّةٍ، وَيُطْلِقُ إِمْكاناتِ سُوقِ الطّاقَةِ؛ لِجَعْلِهِ أَكْثَرَ تَنافُسِيَّةً، وَيُساعِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنّ الممْلَكَةَ تَقَعُ فِي قَلْبِ الْعالَمِ، فَهِيَ مُؤَهّلَةٌ لِتُصْبِحَ مَرْكَزًا رَئِيسًا لِلتّجارَةِ الدّوْلِيّةِ، مِمّا يُنَمّي الِاقْتِصادَ وَيَدْعَمُ الشّرِكاتِ المحَلّيّةَ وَالصادِراتِ.
إِنّ الرُّؤية الطّمُوحَةَ تَهْدِفُ إِلَى الْعَمَلِ بِشَفافِيَةٍ وَمَسْؤُولِيَّةٍ، وَتُحَفّزُ المواطَنَةَ، وَتُشَجّعُ المجْتَمَعَ بِكُلِّ فِئاتِهِ عَلَى الْقِيامِ بِدَوْرِهِمْ، وَإِنَّ الْوَطَنَ الّذِي نَنْشُدُهُ لا يَكْتَمِلُ إِلّا بِتَكَامُلِ أَدْوارِنا جَمِيعًا سَواءٌ كُنّا عامِلِينَ فِي الْقِطاعِ الحُكُومِيِّ أَوِ الْخاصِّ أَوْ غَيْرَ الرِّبْحِيِّ، فَلَدَيْنا مَسْؤُولِيّاتٌ وَطُمُوحاتٌ تَتَحَقّقُ إِنْ شاءَ اللهُ تَعالَى مِنْ خِلالِ بَرامِجِ تَحْقِيقِ الرُّؤْيَةِ، وَمِنْها بَرامِجُ خِدْمَةِ ضُيوفِ الرّحْمَنِ، وَتَطْويرِ الصِّناعَةِ الْوَطَنِيّةِ، وَتَنْمِيَةِ الْقُدْراتِ الْبَشَرِيّةِ، وَالْإِسْكانِ، وَتَحْوّلِ الْقِطاعِ الصّحّيِّ، وَالِاسْتِدامَةِ المالِيّةِ، وَغَيْرِها مِنَ الْبَرامِجِ الْواعِدَةِ.
نَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ الحِمَايَةَ وَالِحفْظَ مِنْ الفِتَنِ وَالشِّرْكِ وَالشِّقَاقِ والنِّفَاقِ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ.
أَقولُ قُولِيْ هَذا.. وأَستَغْفِرُ اللهَ العظيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فاستغفِرُوهُ، إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ.
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيةُ﴾
اَلْحَمْدُ للهِ عَلىَ إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلىَ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الدَّاعِى إلىَ رِضْوَانِهِ.. أَمَّا بَعْدُ
عِبادَ اللهِ: لَا رَيْبَ أَنَّ كُلَّ ذِيْ نِعْمَةٍ مَحْسُوْدٌ، وَلَا شَكَّ يَا عِبَادَ اللهِ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ وَأَمْنٍ وَلُحْمَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ فَرِيْدَةٍ وَاجْتِمَاعِنَا عَلَى طَاعَةِ وَلِيِّ أَمْرِنَا لَا يَرُوْقُ لِلْأَعْدَاءِ بَلْ يَقُضُّ مَضَاجِعَهُمْ، لِذَلِكَ سَعَوْا جَاهِدِيْنَ فِي زَرْعِ الفِتَنِ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ لِتَفْرِيْقِ الكَلِمَةِ وَشَقِّ الصَّفِّ، فَاحْذَرُوا مِنْ كَيْدِ الأَعْدَاءِ يَا عِبَادَ اللهِ، وَانْشُرُوا الوَعْيَ الصَّحِيْحَ بَيْنَ أَهْلِيْكُمْ وَأَقَارِبِكُمْ وَمَعَارِفِكُمْ، وصَدَقَ الشَّاعِرُ إِذْ يَقُولُ:
النَّاسُ حُسَّـــــــــادُ الْـمَكَانِ العَالِيْ يَرْمُـــــــــــــــوْنَهُ بِدَسَائِسِ الأَعْمَالِ
وَلَأَنْتَ يَا وَطَنِيْ الكَـــــــــريْمُ مَنَارةٌ فِي رَاحَتَيْكَ حَضَارَةُ الأَجْيَالِ
لَا يَنْتَمِيْ لَكَ مَنْ يَخُوْنُ وَلَاءَهُ إنَّ الوَلَاءَ شَهَــــــــــــــــادَةُ الأَبْطَالِ
يَا قِبْلةَ التَّارِيْخِ يَا بَلَـــــــــدَ الهُدَى أَقْسَمْتُ أنَّكَ مَضْرَبُ الأَمْثَالِ
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ عز وجل: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56] اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عن الخلفاء الراشدين، وعن الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ ومن تبعهم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلامَ وَالمسْلِمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نَرْجُو فَلاَ تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ. اللَّهُمَّ وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى المرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالمينَ.