21 ذي القعدة, 1446
عَقِيدَةُ المسْلِمِ
﴿الخُطْبَةُ الْأُوْلَى﴾
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا، وَسَيِّئاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.
أَمَّا بَعْدُ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِلْحَقِّ، طَرِيقِ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَالسُّنَّةِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ عَقِيدَةَ الْإِسْلامِ أَعْظَمُ عَقِيدَةٍ، قَدِ اصْطَفاها اللهُ وَارْتَضاها لِعِبادِهِ، وَبَعَثَ مِنْ أَجْلِها الرُّسُلَ؛ فَالْحَمْدُ للهِ عَلَى نِعْمَةِ التَّوْحِيدِ، فَلَا تَعْدِلُهَا نِعْمَةٌ؛ قالَ تَعالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، وَهِيَ الْوَسَطِيَّةُ وَالاِعْتِدَالُ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: 143]، وَالْأُمَّةُ الْوَسَطُ هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ.
أَيُّها الموَحِّدُونَ: عَقِيدَةُ المسْلِمِ لَهَا خَمْسَةُ مُرْتَكَزاتٍ: أَوَّلُها أَقْسامُ التَّوْحِيدِ؛ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِأَفْعالِهِ؛ فَهُوَ الْخالِقُ الرَّازِقُ الْمُدَبِّرُ، وَتَوْحِيدُ الْأُلُوهِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ نَعْبُدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِأَفْعالِنا؛ مِنْ صَلاةٍ وَصِيامٍ وَذَبْحٍ، وَغَيْرِها مِنَ الْعِباداتِ، فَلَا يُصْرَفُ شَيْءٌ مِنْها لِغَيْرِ اللهِ، وَتَوْحِيدُ الْأَسْماءِ وَالصِّفاتِ، أَنْ نُقِرَّ وَنُؤْمِنَ بِأَنَّ للهِ الْأَسْماءَ الْحُسْنَى، جاءَتْ فِي كِتابِهِ، وَعَلَى لِسانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَنْ نُثْبِتَها لَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ، وَلَا تَكْيِيفٍ، وَلَا تَمْثِيلٍ، وَلَا تَشْبِيهٍ، وَلَا تَعْطِيلٍ، ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٌۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]، المرْتَكَزُ الثَّانِي لِعَقِيدَةِ المسْلِمِ: الْإِيمانُ بِالْغَيْبِ؛ فَكُلُّ ما جاءَ فِي كِتابِ رَبِّنا وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم مِنْ أُمُورِ الْغَيْبِ وَجَبَ الْإِيمانُ بِهِ؛ قالَ تَعالَى: ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدًى لِّلۡمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾ [البقرة:2-3]، المرْتَكَزُ الثَّالِثُ: الْأَنْبِياءُ؛ فَقَدْ بَعَثَ اللهُ الْأَنْبِياءَ عَلَى دِينٍ واحِدٍ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الشَّرائِعُ، قالَ صلى الله عليه وسلم: «الأنبياءُ إخوَةٌ لعَلَّاتٍ: دِينُهم واحِدٌ، وأُمَّهاتُهم شَتَّى» [أخرجه البخاري]، أَيْ: يَتَّفِقُونَ فِي الْعَقِيدَةِ، وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي الشَّرائِعِ، فِي الْعِباداتِ وَغَيْرِها، فَعَلَيْنا الْإِيْمانُ بِالْأَنْبِياءِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، مَنْ ذُكِرَ لَنا مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُذْكَرْ، قالَ تَعالَى: ﴿مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ﴾ [غافر:78]، وَقالَ تَعالَى: ﴿وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٍ مِّنۡهُمۡ﴾ [البقرة:136] المرْتَكَزُ الرَّابِعُ: الْأَسْماءُ وَالْأَحْكامُ، وَالمقْصُودُ إِصْدارُ الْأَحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى النَّاسِ، وَهَذَا بابٌ خَطِيرٌ، وَقَعَ فِيهِ الْخَوارِجُ؛ فَقَدْ خَرَجُوا عَنْ نَهْجِ الْأٌمَّةِ مُنْذُ عَهْدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَصْرِنا الحاضِرِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، وَقالَ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم اِعْدِلْ يا مُحَمَّدُ، فَقالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، وَأَظُنُّهُ قَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ» [متفق عليه]، وَهَؤُلاءِ خَرَجُوا عَلَى عُثْمانَ وَعَلِيٍّ، وَقَتَلُوهُما، وَهُمْ يَتَجَدَّدُونَ بِمُسَمَّياتِ مُتَنَوِّعَةٍ، وَلَكِنَّ سِمَتَهُمْ أَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ بِالْكَبِيرَةِ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى وُلاةِ الْأُمُورِ، وَيَسْتَحِلُّونَ الدِّماءَ وَالْأَعْراضَ وَالْأَمْوالَ، وَهَذا مَنْهَجٌ باطِلٌ، وَرَدَ فِيهِمْ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاثَةَ عَشَرَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَنا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجماعَةِ، أَهْلِ الْوَسَطِيَّةِ وَالِاعْتِدالِ، فَوَجَبَ عَلَيْنا أَنْ نَحْذَرَ وَنُحَذِّرَ مِنَ الْفِرَقِ الضَّالَةِ، الَّتِي حادَتْ عَنِ الطَّرِيقِ المسْتَقِيمِ، وَنُوْصِي أَنْفُسَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ، وَالسَّيْرِ عَلَى نَهْجِ الْقُرْآنِ الْقَوِيمِ، وَالتَّمَسُّكِ بِسُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ؛ قالَ صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ» [قال ابن عبد البر رحمه الله: وَهَذَا مَحْفُوظٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، شُهْرَةً يَكَادُ يُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الْإِسْنَادِ ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ أَحَادِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ” انتهى من “التمهيد” (24/ 331)، وصححه الألباني في “صحيح الجامع” (2937)]، وَقالَ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ»، [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ].
قالَ حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» [متفق عليه]. فاللَّهُمَّ اجْمَعْ شَمْلَنَا وَوَحِّدْ صَفَّنَا وانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الكَرِيْمُ.
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبارَكَ عَلَيْه وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللَّهِ: والمرْتَكَزُ الْخَامِسُ وَالْأَخِيرُ: الْإِمامَةُ وَالْجَماعَةُ، وَهِيَ مِنْ مُرْتَكَزاتِ الْعَقِيدَةِ؛ يَتَرَتَّبُ عَلَيْها حِفْظُ المجْتَمَعاتِ، وَحِفْظُ حُقُوقِ النَّاسِ، وَحِفْظُ الضَّرُوراتِ الْخَمْسِ، وَهِيَ: الدِّينُ وَالْعَقْلُ وَالنَّفْسُ وَالْعِرْضُ وَالْمَالُ، وَهِيَ مَحْمِيَّةٌ فِي كُلِّ الشَّرائِعِ، وَالْخُرُوجُ عَلَى وُلاةِ الْأُمُورِ يُذْهِبُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حُقُوقِ وَلِيِّ الْأَمْرِ ما يَزِيدُ عَلَى المئَةِ حَدِيثٍ، لِذَلِكَ الْحِفاظُ عَلَى الْجَماعَةِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ، وَفِي غايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ، وَنَحْنُ بِهَذَا الْبَلَدِ المبارَكِ بِفَضْلِ اللهِ سُبْحانَهُ وَتَعالَى جَماعَةٌ واحِدَةٌ، وَمُعْتَقَدٌ واحِدٌ، دِينٌ واحِدٌ، وَوَلِيُّ أَمْرٍ واحِدٌ، نَحْنُ في مَمْلَكَتِنا بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَمْنٍ وَاسْتِقْرارٍ، وَلِذَلِكَ جاءَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بِحُرْمَةِ الْخُرُوجِ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ؛ قالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّه سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فمَنْ أَرادَ أَنْ يُفَرِّقَ أمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فاضْرِبُوهُ بالسَّيْفِ كائِنًا مَنْ كانَ، وَفِي رِوايَةٍ: فَاقْتُلُوهُ» [أخرجه مسلم]؛ لِذَا وَجَبَ عَلَيْنا شُكْرُ هَذِهِ النِّعَمِ؛ بِأَنْ نُحافِظَ عَلَى مُعْتَقَدِنا وَبِلادِنا مِنْ أَعْدائِهَا، بِأَنْ نَبْتَعِدَ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ، كَارْتِكابِ المحَرَّماتِ، وَأَنْ نُؤَدِّيَ حُقُوقَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ كَإِقامَةِ الصَّلَاةِ، وَالمحافَظَةِ عَلَى وِحْدَةِ صَفِّنا، وَمُرْتَكَزاتِ عَقِيدَتِنا، وَأَنْ نَجْعَلَ مَصْدَرَ التَّلَقِّي لِدِينِنا قَوْلَ اللهِ وَرَسُولِهِ؛ قالَ تَعالَى: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ﴾ [النساء: 59] وَكَلِمَةُ (شَيْءٍ) هُنَا تَشْمَلُ كُلَّ الْأَشْياءِ؛ فَهِيَ تُفِيدُ الْعُمُومَ؛ فَأَيُّ أَمْرٍ، أَوْ نِقاشٍ، فِي وَسائِلِ التَّواصُلِ أَوْ غَيْرِها وَجَبَ عَلَيْنا رَدَّهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ المسْلِمُ أَنْ يَرُدَّ المسْأَلَةَ إِلَى قَوْلِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَلْيَسْأَلْ أَهْلَ الْعِلْمِ الصَّادِقِينَ، قالَ تَعالَى: ﵟفَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَﵞ [النحل: 43]، فَلَا تُؤْخَذُ أَحْكامُ الدِّينِ مِنْ وَسائِلِ التَّواصُلِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لا عِلْمَ لَهُمْ، أَوْ مِمَّنْ يَكِيدُونَ لِبِلادِنا، وَيُرِيدُونَ إِفْسادَ أَبْنائِنا، أَسْأَلُ اللهَ الْعَلِيَّ الْقَدِيرَ بِأَسْمائِهِ الْحُسْنَى وَصِفاتِهِ الْعُلَى أَنْ يَحْفَظَنا وَبِلادَنا، وَوِلاةَ أُمُورِنا، وَأَنْ يَجْعَلَنا وَإِيَّاكُمْ هُداةً مُهْتَدِينَ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ عز وجل: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56] اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عن الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نَرْجُو فَلاَ تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ. اللَّهُمَّ وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى المرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالمينَ.