27 رمضان, 1446
أَحْكَامُ الشِّتَاءِ
﴿الخُطْبَةُ الْأُوْلَى﴾
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَرَاقِبُوهُ فَإِنَّ تَقْوَاهُ أَفْضَلُ مُكْتَسَبٍ، وَطَاعَتَهُ أَعْلَى نَسَبٍ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]
أَيُّهَا المسْلِمُونَ: إِنَّ فِي تَصَرُّفِ الْأَيَّامِ واخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَفُصُولِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ لَعِبْرَةً، قَالَ اللَّهُ -تعالى-: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[آل عمران:190،191]. وَفِي هَذَا تَذْكيرٌ لِلْمُسْلِمِ فِي كُلِّ فَتْرَةٍ مِنْ عَامِهِ، كَيْفَ أَحْوَالُهُ مَعَ ذَهابِ أَيّامِهِ وَأَعْوامِهِ، وَهُوَ فِي غَفْلَةٍ، قَدْ انْغَمَسَ فِي الدُّنْيَا وَمَلَذّاتِها؟
مَضَى الدَّهْرُ والْأَيّامُ وَاَلْذَّنْبُ حَاصِلٌ
وَجَاءَ رَسُولُ الموْتِ والْقَلْبُ غافِلٌ
نَعِيمُكَ فِي الدُّنْيَا غُرُورٌ وَحَسْرَةٌ
وَعَيْشُكَ فِي الدُّنْيَا مُحالٌّ وَباطِلٌ
عِبَادَ اللهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-:«اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّها، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ فِي الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ» [صحيح مسلم 617].
ثُمًّ اعْلَمُوا -حَفِظَكُمُ اللهُ- أَنَّ لِلشِّتَاءِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً، وَآدابًا نَبَوِيَّةً، وَسُنَنًا مَرْعِيَّةً، يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَحَرَّاهَا؛ لِتَكْتَمِلَ عِبَادَتُهُ، وَيَتِمَّ لَهُ أَجْرُهُ وَثَوَابُهُ، وَيَقْتَدِيَ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ. قَالَ اللهُ تَعالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة:3]. فَلَا يُعْذَرُ المسْلِمُ بِجَهْلِهِ لِلْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ اَلْجَليَّةِ. فَمِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ: جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ مَعَ شِدَّةِ الْبَرْدِ، إِذَا كَانَ مَصْحُوبًا بِرِيَاحٍ شَدِيدَةٍ، أَوْ ثُلُوجٍ عَائِقَةٍ، أَوْ أَمْطَارٍ غَزِيرَةٍ.
وَمِنْ أَحْكَامِ الشِّتَاءِ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُسْبِغَ الْوُضُوءَ، وَلَا يَتَسَاهَلَ؛ لِأَنَّهُ مَعَ شِدَّةِ الْبَرْدِ قَدْ يَلْبَسُ لِبَاسًا ثَقِيلًا لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ إِيْصَالَ الْمَاءِ إِلَى أَعْضَائِهِ، فَيَكُونُ وُضُوْؤُهُ غَيْرَ تَامٍّ، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَوْمًا تَّوَضَّؤوا، وَلَمْ يَمَسَّ أَعْقابَهُمُ الْمَاءُ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»
[رواه البخاري ومسلم]
عِبَادَ اللهِ: رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى المكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى المسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ» [رواه مسلم]. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: “وَإِسْباغُ الوُضوءِ: إِتْمامُهُ، وَالْمَكارِهُ تَكونُ بِشِدَّةِ البَرْدِ، وَأَلَمِ الجِسْمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ”. ولَا بَأْسَ مِنْ تَسْخينِ الْمَاءِ لِدَفْعِ بَرْدِهِ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْعِبادَةِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ حُصولِ الثَّوابِ المذْكورِ فِي حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه السّابِقِ.
قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمينَ فِي شَرْحِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ: “أَنْ يَشُقَّ الْإِنْسانُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَذْهَبَ يَتَوَضَّأَ بِالماءِ الْبارِدِ، وَيَتْرُكَ السَّاخِنَ، أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الماءَ، وَيَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أَتَوَضَّأَ بِالماءِ الْبارِدِ؛ لِأَنالَ هَذا الْأَجْرَ، فَهَذا غَيْرُ مَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾ [النساء: 147]، فَالْإِنْسانُ لَيْسَ مَأْمُورًا، وَلَا مَنْدُوبًا إِلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَضُرُّهُ، بَلْ كُلَّمَا سَهُلَتْ عَلَيْهِ الْعِبادَةُ فَهُوَ أَفْضَلُ، لَكِنْ إِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْأَذَى وَالْكُرْهِ فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ اخْتِيارِهِ”.
وَمِنْ الْآدَابِ الْـمُتَعَلِّقَةِ بِالشِّتَاءِ: حُسْنُ اسْتِثْمَارِ الْوَقْتِ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ: “نِعْمَ زَمانُ المُؤْمِنِ الشِّتَاءُ، لَيْلُهُ طَويلٌ يَقُومُهُ، وَنَهَارُهُ قَصِيرٌ يَصُومُهُ”. وَهَذَا مَعْنَى الْحَديثِ الَّذِي رَوَاهُ عامِرُ بْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبيِّ -ﷺ-قَالَ: «الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتاءِ» [رواه الترمذي وهو حديث صحيح]. فَلْيَكُنْ لَنَا يَا عِبَادَ اللهِ نَصِيْبٌ مِنْ هَذَا الْفَضْلِ فِي بُيُوْتِنَا، بِصِيَامِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ، كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيْسِ، أَوِ الْأَيَّامِ الْبِيْضِ وَنَحْوِهَا، وَقِيَامِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ اللَّيْلِ، وَلَوْ بِرَكْعَاتٍ يَسِيْرَةٍ، وَأَقَلُّهَا الشَّفْعُ وَالْوِتْرُ مِنْ كُلِّ لَيْلَةٍ، فَلَعَلَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَتِلْكَ الرَّكَعَاتِ هِيَ الَّتِي يَنْجُوْ بِهَا الْعَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ.
وَمِنْ أَحْكَامِ الشِّتَاءِ: أَنَّ الْعَبْدَ عِنْدَمَا يَشْعُرُ بِهَذَا الْبَرْدِ وَيَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْتَمِيَ مِنْهُ بِاللِّبَاسِ وَالْبِناءِ فَإِنَّهُ يَشْكُرُ اللَّهَ -عز وجل- عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي قَدْ حُرِمَ مِنْهَا الْكَثِيرُ. وَرَدَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنِ الْخِطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيْزَتْ لَهُ الدُّنْيا» [رواه الترمذي وقال: حسن غريب]. وَنَتَذَكَّرُ عِنْدَ اسْتِخْدَامَ وَسَائِلِ التَّدْفِئَةِ أَنَّ هُنَاكَ إِخْوَانًا لَنَا فِي الدِّينِ لَا يَجِدُونَ وَلَا الْقَلِيلَ مِنْ هَذَا، فَمَا يَمْنَعُ الْعَبْدَ أَنْ يَكُونَ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، كَأَنْ يَضَعَ مَعَهُ بَعْضَ الملَابِسِ، وَلَوْ بِمَبْلَغٍ يَسِيرٍ مِمَّا يُسَمَّى بِكُسْوَةِ الشِّتاءِ، فَإِذَا وَجَدَ مُحْتَاجًا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ اللِّبَاسَ الْجَدِيدَ فَإِنَّهُ بِإِذْنِ اللَّهِ -تعالى- لَهُ مِنَ الْأُجُورِ مَا ﻻَ يَخْطُرُ لَهُ عَلَى بَالٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّا لَنْ نَنَالَ الْبِرَّ حَتَّى نُنْفِقَ مِمَّا نُحِبُّ، قَالَ تعالى: ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران 92].
وَالمؤْمِنُ يُحِبُّ الْعَطَاءَ، وَيُحِبُّ الْبَذْلَ، وَصَاحِبُ مَعْرُوفٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: “صَاحِبُ المَعْرُوفِ ﻻَ يَقَعُ، فَإِنْ وَقَعَ وَجَدَ مُتَّكَأً” [عيون اﻷخبار339/1].
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ-ﷺ-فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ-ﷺ-: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا”، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا» [رواه الطبراني في المعجم الصغير(861)]. فَمِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ الْعَطَاءُ، وَجَبْرُ الْخَوَاطِرِ وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى النَّاسِ بِالِابْتِسَامَةِ وَالْعَطَاءِ وَالْكَرَمِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الكَرِيْمُ.
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبارَكَ عَلَيْه وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللَّهِ:
وَمِنْ أَحْكَامِ الشِّتَاءِ: الرُّخْصَةُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ فَيَجِبُ عَلَى المسْلِمِ أَنْ يَتَعَلَّمَ شُرُوطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَ فِي مَوْضِعٍ ﻻَ يَجُوزُ لَهُ المسْحُ فَالصَّلَاةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّ المسْحَ لَهُ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ الْخُفُّ طَاهِرًا، وَأَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي المدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ.
وَالمدَّةُ المعْتَبَرَةُ شَرْعًا هِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيْهَا لِلْمُسَافِرِ، وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا ثُمَّ سَافَرَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَمَنْ كَانَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ. وَتَبْتَدِئُ مُدَّةُ الْمَسْحِ بَعْدَ أَوَّلِ مَسْحَةٍ بَعْدَ حَدَثٍ، وَإِنِ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَمَا زَالَ الْعَبْدُ عَلَى طَهَارَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى أَنْ يُحْدِثَ. وَأَنْ يَكُونَ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، ﻻَ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ.
وَمَنْ كَانَ لَابِسًا لِلْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ كَمَا رَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْمَسْحُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ الـمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا [رواه البخاري].
عِبَادَ اللَّهِ: صَلُّوا وَسَلِّمُوا على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَدْ أَمَرَنَا بِذَلِكَ رَبُّنَا، فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]. اللَّهُمّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ أَعِنْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَأَدِمْ عَلَى بِلادِنَا نِعْمَةَ الْأَمْنِ وَالْإيْمَانِ وَسَائِرِ بِلَادِ الـمُسْلِمِيْنَ، وَارْحَمْنَا جَمِيْعًا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيْعِ الـمُسْلِمِيْنَ وَالـمُسْلِمَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَسَلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ.