12 ربيع أولI, 1446
في ظلال آية كريمة :
( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
هذه الآية الكريمة بجدارة واستحقاق أعتبرها دستورا للدعاة إلى الله سأعلق عليها بحسب ما يفتح الله علي به. فأقول مستعينا بالله :
إن متطلبات الدعوة الناجحة تتمثل فيما يلي :
1 – ربانية المنهج، وحضوره، والتعلق به، وثباته : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي ) ف ( قل ) فعل أمر ، والآمر هو الله، وهذا يقتضي ربانية المصدر والمنهج ..
والإشارة ب (هذه ) تدل على الحضور والقرب .
والإضافة ( سبيلي ) تعني التعلق به كما يتعلق أحدنا بما يختص به. وإسمية الجملة تدل على الثبات .
والمنهج إذا كان بهذه النعوت كان حامله والداعي إليه جزءا لا يتجزأ منه، وإن لم يكن كذالك سار هو مشرّقا وسار صاحبه مغرّبا، وشتان بين مشرّق ومغرّب .
2 – أن تكون الدعوة متجددة آخذة بالأساليب النافعة المتنوعة ( أدعو ) ف ( أدعو ) جملة فعلية تدل على تجدد الدعوة ، وحذف بعض المتعلقات يدل على العموم، ومن تلك المتعلقات الوسائل والأساليب، فأي وسيلة مشروعة تحقق للدعوة بعض أهدافها تدخل في هذا العموم مما يجعل الداعي أمام يسر ورحابة في الأخذ بالوسائل المشروعة وتجديدها وتطويرها.
والدعوة الجامدة هي دعوة الكسالى جسميا وفكريا، وأنى للكسالى أن يحققوا هدفا،
تريدين إدراك المعالي رخيصة ** ولا بد دون الشهد من إبر النحل.
3 – تحرير القصد ( إلى الله ) فالدعوة الناجحة هي التي يكون الباعث لها رضا الله، وابتغاء ما لديه من مثوبة، وأي دعوة لا تنطلق من هذا الباعث – وإن كتب لها حظ من سعة الانتشار – ستفتضح وتنكمش وتتلاشى ، فالدعاة عبدة الأنا لا ينجحون أبدا، وسيكون لهم حظ من مقت الله إن لم يتوبوا، يورث حظا من مقت الناس.!
4 – وضوح الرؤية ( على بصيرة ) ولنقف مع ( على ) التي تفيد الاستعلاء ، ولنقف مع مدلولها المنكر ( بصيرة ) الذي يفيد تنكيره التعظيم.
ثم لنستقرئ بعض نظائرها استقراء جزئيا تحت إلحاح التقريب ( أولائك على هدى من ربهم ) ( ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ) ( قل إني على بينة من ربي ) ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ ) (أفمن أسس بنيانه على تقوى ) ( على خوف من فرعون وملئه) (أفمن كان على بينة من ربه )( إن ربي على صراط مستقيم ) (على تخوّف ) (على هون ) ( على استحياء) ( لعلى خلق عظيم )
لنستخلص من هذا الاستقراء أنّ هذا التعبير أسلوب من أساليب القرآن يفيد التمكن من مدخول(إلى) والاستيلاء أو الاستعلاء عليه بجدارة.
والبصيرة المذكورة منطلقها القلب ، والقلب مركزي الأهمية، ونتيجة البصيرة الوضوح التام كما تتضح الأشياء المبصرة بالعين، ثم إن تنكير ( بصيرة ) هنا – كمثيلاتها – يفيد التعظيم ..
ولا شك أن الدعوة النابعة من الوضوح التام في المنهج والوسائل وغيرها دعوة تشق طريقها إلى النجاح إن لم تكن وصلت إليه بالفعل .
وإذا نظرنا إلى أنّ متعلّق (بصيرة) هنا محذوف استفدنا عمومه وشموله لكل ما يحتاج إليه في حقل الدعوة من بصيرة بالدعوة وأساليبها، وعلم بالمدعو إليه، ومعرفة بواقع المدعوّ، واطّلاع على متطلبات دعوته.
5 – تكامل الجهود الدعوية ( أنا ومن اتبعني ) فالدعوة تبدأ من فرد ( أدعو إلى الله ) لكن جهود هذا الفرد تثمر جهودا جماعية( ومن اتبعني ) ويعتبر تكامل جهودهما ضروريا لنماء الدعوة، وبركتها وتطورها، أما لو ظل كل داع يدعو دون أن تتكامل جهوده مع جهود غيره فإن ذلك من شأنه أن ينشئ حالة مرضية غير مرضية تؤدي – في نهاية المطاف – إلى التنافر وحضور (الأنا) الإبليسي المدمّر.
6 – الاحتفاظ لأهل السبق بمكانتهم دون التنقيص من اللاحقين فيما بعد ( أنا ومن اتبعني )
فدعوة يسود التنافس الإيجابي والاحترام المتبادل بين سابقها ولاحقها ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ليست بالضرورة مثل دعوة يسود اللعن بين أطرافها ( كلما دخلت أمة لعنت أختها ).
7 – حسن العلاقة مع الخالق سبحانه وتعالى باستشعار عظمته، وتنزيهه عما لا يليق به ( وسبحان الله ) فهو الذي بيده كل شيء من نجاح وفوز وغيرها مما يحتاجه الدعاة، فلعل حسن العلاقة بالله يكون وسيلة لأن يفيض على الدعوة والمهتمين بها شآبيب رحمته، وسوابغ نعمه، وتوفيقه، وتأييده .
8 – البراءة من الشرك وما يلحق به من رياء وتسميع وطاعة الطغاة والتخلية عن الرذائل ( وما أنا من المشركين )
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما ..