12 ربيع أولI, 1446

. البلاغةَ البلاغةَ

مع بالغ شكري وتقديري للعالم الفاضل د. صلاح سرور

لولا (البلاغةُ العربيةُ) ما فَهِمْنا كثيرًا من نصوص القرآن الكريم، ولولا (تعدُّدُ القراءاتِ القرآنيةِ) لضاع كثيرٌ من معانيه.

وعلى ذلك: فإنَّ مَن يقرأ القرآنَ ويتدبر معانيه، يتقرر عنده أنه من عند الله -عز وجل، وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- صادقٌ أمينٌ، وأنه ليس في مقدوره -صلى الله عليه وسلم- ولا مقدور مخلوقٍ غيرِه أن يأتي بمثل هذا القرآن مِن عند نفسه.

1- قرأ الكسائي: ((وإنْ كان مكرُهم لَتَزُولُ منه الجبال)) بفتح اللام قبل الفعل.

2 – وقرأ العامة: ((لِتَزُولَ) بكسرها.

القراءة الأولى (لَتزولُ):
تصف إنكارَ هؤلاء نُبوتَه -صلى الله عليه وسلم- إنكارا شديدا، لدرجة أن إنكارَهم يُزيلُ الجبالَ الصخريةَ الرواسيَ، ويُقَطِّعها عن أماكنها، فالجبالُ في هذا التعبير تعبيرٌ حقيقي عن الجبال الحقيقية المعروفة بضخامتها وثقلها وأحجامها.

والقراءة الثانية:
تُهوِّنُ مِن إنكارهم هذا، إذا ما قِيسَ بشريعته -صلى الله عليه وسلم- فلا يستطيعون -مهما عظُم مكرُهم واشتدّ- أن يُزِيلوها، والمعنى: ما كان لمكرهم وإنكارهم أن يزيل تلك الشريعةَ المحمدية، خاتمة الشرائع السماوية على نبيها أفضل الصلاة وأزكى السلام..

فالجبال على هذه القراءة شريعةُ سيدنا ونبينا محمد -عليه الصلاة وأزكى السلام، وعلى القراءة الأولى هي الجبال الصخرية الحقيقية المعروفة.

وبتعدد القراءات أُثْبِتتْ القوةُ الشديدةُ لمكرهم، وأُثْبِتَتْ -كذلك- القوةُ الأشدُّ الأعظمُ لشريعته -صلى الله عليه وسلم-، حتى إنّ مكرَهم هذا -القويَّ الشديدَ- ما كان له أن يؤثِّر في تلك الشريعة الغراء أو يزحزحها عن مكانها شيئا ما.

وبقواعد البلاغة وقوانينِها عَرَفْنا أن (الجبال) على القراءة الثانية -قراءة كسر اللام قبل الفعل- هي نبوتُه وشريعتُه -صلى الله عليه وسلم.

الجبالُ على هذه القراءة في عُرف البلاغة استعارةً، فالنَّظْمُ المُعَجِّزُ قد جعل شريعتَه -صلى الله عليه وسلم- جبلا من أفراد الجبال وداخلة في جنسها، لا مجرد أنها تُشْبِهُها، لذلك سَمَّاها (الجبال).

قال الإمام عبد القاهر: “تجعلُ الشيءَ الشيءَ ليس به”، فشريعتُه صلى الله عليه وسلم- جبالٌ صخريةٌ راسية يستحيل زحزحتُها، فضلا عن إزالتها.

فلا غناء عن قواعد البلاغة في فهم المراد من نصوص القرآن العظيم، ولا غناء عن القراءات القرآنية في فهم معانيه.

اللهم اهدِ الضالٍّين، وفقِّهنا في الدين، وعلِّمْنا التأويل.
.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
والحمد لله رب العالمين..
الدكتور:حسني التلاوي.